«فيديو» بورسعيد: مشهد مجتمعى مركب

(1)

كشف «فيديو» بورسعيد في دقائقه القليلة عن «لقطة» مجتمعية متعددة الأبعاد والمستويات. «لقطة» رفعت الكثير من «الأحجبة» المسدلة على الواقع- بوعى أو غير وعى- تعوقنا عن رؤية حقائقه الاجتماعية المؤلمة. فعلى الرغم من الجهود الحكومية «الإعانية»، كذلك الجهود الأهلية «الخيرية» للمهمشين والفقراء، فإن «اللقطة» التي رأيناها تشير بكل وضوح إلى أن ما ينقصنا هو رؤية تنموية شاملة تقوم على «تمكين» «معذبى الأرض»، بتعبير طه حسين. رؤية تحمل مشروعا إنتاجيا دائم التجدد...

(2)

تشير اللقطة إلى عدة أمور منها: أولا: أن الفتيان أبطال فيديو بورسعيد قد قدموا من أماكن مصنفة في التقارير الوطنية باعتبارها من المناطق: «الأكثر فقرا والأقل تنمية». ومن ثم هي مناطق طاردة. ويمثل «الخروج» من الحياة القاسية في هذه المناطق، سعيا نحو الرزق بأى طريقة، حلا. البعض يرى الحل في الهجرة غير الشرعية. ويراه البعض الآخر في الهجرة إلى المدن الكبرى والانغماس في اقتصادها الأسود (غير الرسمى/ الموازى)، أو أنشطتها غير القانونية. أو يتصوره البعض الثالث فرصة لأعمال سهلة تدر دخلا سريعا يرفع من شأنهم في أقل وقت.. وفى كل الحالات، يعتبر «الاضطرار» هو سيد الموقف. خاصة وأن هناك «أفواه» مفتوحة لابد من إطعامها، و«أعراض» لابد من سترها، و«أرواح وأنفس» في حاجة إلى تلبية احتياجاتها الأساسية بأى طريقة.. وفى هذا المقام، ينبغى ألا ننسى أن هناك طرفا «يستغل» اضطرار هؤلاء الفتيان استغلالا «مشينا»...

(3)

إن ما عرض من خلال شريط الفيديو، على قصره، في ظنى، قد أثار ثلاثة شجون مجتمعية: أولها: غياب الرؤية الشاملة للقضاء على الفقر الذي تزداد معدلاته وفق أرقام وطنية في ظل معالجات اقتصادية مؤلمة. ثانيها: هيمنة تصورات «شائخة» لحل إشكالية مركبة يلتحف فيها الفقر مع كتلة بشرية تضم الأطفال والفتيان والفتيات تشكل أكثر من ثلث الجسم الاجتماعى المصرى. تصورات ترى الحل في عمل هؤلاء الفتيان في شركات القمامة والأمن فقط،. ولم تتطرق مرة واحدة إلى تعلم هؤلاء الفتيان «صنعة». أو دمجهم في صناعات إنتاجية تؤهلهم ليكون عمالا صناعيين إنتاجيين. أو مدى إمكانية عودتهم إلى العملية التعليمية. ثالثها: غياب الآليات القادرة على تنفيذ «تدخلات» متنوعة “Interventions”؛ يعرفها العاملون في مجال التنمية في هكذا حالات.. لذا جاء الحل من مبادرة فردية مشكورة- ولاشك- من المهندس نجيب ساويرس كما هو معلوم...

(4)

لقد أثار «شريط الفيديو» الكثير، ولكن من أهم ما أثاره هو أن هناك «مشهدا مجتمعيا مركبا» يحتاج منا إلى رؤى وتصورات وسياسات وآليات تنفيذ مركبة. تتجاوز «الإعانة» و«الخيرية».. كما لا ينبغى أن نعالجها، فقط، بالوعظ أو العقاب أو المبادرات الفردية.. فردة فعل الفتيان والتى تراوحت بين الصمت والضحك والسجال تشير إلى تحول نوعى على ما كنا نراه من ردود أفعال زمن برنامج «من وراء القضبان».. ولفت نظرنا إلى ما رصده الذين اختبروا مثل هذه المشاهد في مجتمعاتهم قبلنا إلى أن الناس «يضطرون إلى مواجهة شروط الحياة القاسية بشتى الطرق حتى لو أدى الأمر إلى انتهاك كل القواعد والأطر».. إن الحدث فرصة لإطلاق حوار علمى وسياسى حول هذه النوعية من الإشكاليات المركبة...


طباعة   البريد الإلكتروني
0
0
0
s2smodern