انشغلت قبل أيام الإجازة الممتدة فى كتابة دراسة قصيرة عن المفكر العالمى سمير أمين ووجدت أن الفكرة التى حكمت كتاباته ومساهماته الميدانية التنموية، والمتكررة دوما، هى كيفية صنع التاريخ...عاش سمير أمين حياته على أمل صنع التاريخ من خلال محاولة فهم مساراته وآثاره ومن ثم تغييره. وما أن أنهيت هذه الورقة، وبدأت الاستعداد لاختيار الكتاب الذى سيرافقنى خلال أيام الإجازة الممتدة. حتى وجدتنى أعاود التفكير فى الأمل الذى عاش من أجله سمير أمين...وعن جدوى الأمل، وأهميته، وطبيعته،...وتذكرت أستاذنا وليم سليمان قلادة كيف عاش حتى أيامه الأخيرة بالأمل أن ينهى كتابه المرجعى عن المواطنة...وأن تنتهى التوترات الدينية من مصر أم الدنيا...وغيرهما من حكم «الأمل» إبداعهم وممارساتهم...
حاولت أن أتخلص ــ لبرهة ــ من التفكير فى هذا الموضوع المتعدد الأبعاد إلى وقت آخر لتأمله بتأن والاكتفاء باختيار عمل أدبى يرافقنى خلال إجازة العيد...وجاءت أغنية الست أم كلثوم يا ليلة العيد، التى تزداد بريقا عاما بعد عام تؤكده عدد الشيير (من Share)، على الفيسبوك للأغنية. فما أن صدحت الست فرحة ومتهللة، على موسيقى السنباطي، بكلمات رامى البديعة يا ليلة العيد أنستينا ــ وجددتِ الأمل فينا؛ حتى أعادتنى هذه الكلمات البسيطة ــ العميقة، مرة أخرى للتفكير فى «الأمل»...ودون تردد تذكرت كتاب: ثورة الأمل؛ من تأليف إريك فروم (1900 ــ 1980، الفيلسوف وعالم النفس الألماني). فلقد كتب هذا الكتاب فى عام 1968 فى لحظة تحول نوعية كانت تشهدها الإنسانية. أظنها تشبه إلى حد كبير زمننا الحاضر. فى البدء، يعرف فروم، الأمل بأنه عنصر حاسم فى أى محاولة لإحداث تغير اجتماعى فى اتجاه حيوية ووعى وعقل أعظم..ربط فروم بين «الأمل» والتغير إلى الأفضل. فالأمل هو ما يجعل لحياتنا معني. كما يهب القيمة لأفعالنا وممارساتنا من أجل التغيير.
ويميز فروم بحسم ودقة بين الرغبات وبين الأمل. فأولئك الذين يرغبون على نحو أكبر وأفضل بالنسبة للسيارات والبيوت (أى نوع من التطلعات المشروعة). هم مستهلكون. وليسوا أناس الأمل. فالأمل ليس شيئا بل حياة أكثر امتلاء وحالة من الحيوية الأكبر والتحرر من العبء الأبدي؛ أو باستخدام مصطلح لاهوتي، من أجل الخلاص, أو مصطلح سياسي، من أجل الثورة؟. وينبه فروم إلى عدم الوقوع فى فخ الانتظار السلبى تحت شعار الأمل. ذلك لأن الأمل يرتبط بالفعل الحى الإيجابى الذى يستدعى كل طاقة الإنسان من أجل بلوغ التغيير أو صنع تاريخ جديد بلغة سمير أمين. إن غياب الأمل يعنى نهاية الحياة، بالفعل أو بالإمكان بحسب فروم. إن الأمل هو عنصر مكون لنسيج الحياة ولدينامية روح الإنسان. لذا فعندما وَلى الأمل فإن الحياة تتحول إلى كابوس.
ويحتاج الأمل إلى مساندة مجموعة من العناصر مثل: أولا: الإيمان. وثانيا: الصمودــ الشجاعة ــ الجلد. وثالثا: التجديد.
أولا: الإيمان بمعنى اليقين بسلامة ما نناضل من أجله من قيم وأفكار. وأننا قادرون على رؤية ما نؤمن به واضحا وجليا قبل أن يتحقق وهو لم يزل حلما. ومن ثم يصبح جهدنا له معنى لأننا نجتهد فى جعل ما نتصوره ونحلم به وبالتأكيد ما نؤمن به وبأنه سيكون خيرا علينا وعلى من حولنا، متحققا. أو كما يقول فروم: إن الإيمان هو الاقتناع بالنسبة لما لم تجر البرهنة عليه بعد، معرفة الإمكانية الحقيقية،إن الإيمان بالأحرى عقلانى عندما يشير إلى معرفة ما هو حقيقى والذى لم يتولد بعد، إنه قائم على ملكة المعرفة والاستيعاب، والذى ينفذ من السطح ويرى اللب. إن الإيمان ــ مثل الأمل ــ ليس التنبؤ بالمستقبل، إنه رؤية الحاضر فى حالة الحمل الذى سيتولد. إنه أمل يقينى بالمستقبل الأفضل الناتج عن جهدنا البشرى المبنى على العلم والمعرفة. وليس أملا زائفا أو غير مسلح بالوعى والفهم على طريقة دون كيشوت أو أبو العلا البشرى بالرغم من مثالياتهما وصدقهما.
ثانيا: الصمود ــ الشجاعة ــ الجلد؛ أو ثلاثية استمرار «الأمل». لابد للمرء أن يتسم بالجلد أو التحمل بحسب الفيلسوف سبينوزا. أو القدرة على أن يقول المرء لا عندما يريد العالم أن يسمع نعم. بيد أن الجلد يتطلب الشجاعة أو عدم الخوف بالتحرر من التهديد والخضوع والإغراء. ومن ثم يكتسب المرء القدرة على الصمود بالرغم من أى إعاقات.
ثالثا: التجديد؛ بمعنى أن يكتسب المرء قدرات وإمكانات تفعل دوره وتحسن ممارساته وتمكنه من التغيير إلى الأفضل. فالإنسان فى اختبار دائم كى يختار من واقع ما يواجهه أن يحصل على ما يجدده ويبعث فيه قيم مؤهلة للتقدم. أو أن يستسلم للموت. ففى اللحظة التى نكف فيها عن الأمل ويفتر حماسنا نتجمد، ونبدأ بالتآكل... وأظن أن هذا ما قصده أحمد رامى من الربط بين «قدوم العيد وتجديد الأمل»...فالعيد حالة مبشرة تحمل كثيرا من المضامين تبثها فى الإنسان. إنها لحظة «بعث وإحياء» لقدرات وإمكانات الإنسان تدفعه للحركة الدءوب.
إذن فلنحمل الأمل دوما فينا، المبنى على الإيمان والشجاعة والتجديد، ويا ليلة العيد أنستينا.