يوسف صديق: تقدير وامتنان

فى منتصف السبعينيات، وتحت شعار «عودة الوعى»؛ شهدت مصر حالة من إعادة كتابة التاريخ وفق هوى السلطة. فرأينا كتابات تنسب أدوارا بطولية لأشخاص دون وجه حق. وتحجب- عمدا- بطولات حقيقية لأبطال «بجد».. فى هذا السياق، سعدت بمنح السيد البكباشى يوسف صديق قلادة النيل فى ذكرى يوليو هذا العام. فنموذج يوسف صديق من عينة النماذج المصرية التى أطلق عليها الراحل المبدع والعبقرى أسامة أنور عكاشة فى رائعته الخالدة ليالى الحلمية «سلسال اللى بيدوا ولا يخدوش»، واصفا عائلة السماحية الذين كانوا يقدمون الصالح العام على مصلحتهم الشخصية.. ويوسف صديق هو أحد الضباط الأحرار والذى قام بدور «بطولى هام» فجر يوم 23 يوليو من عام 1952 وذلك باقتحام

مقر القيادة العامة للجيش والسيطرة عليها (راجع تعليق عبدالعظيم رمضان مذكرات يوسف صديق فى الكتاب الذى حمل عنوان: «أوراق يوسف صديق»- 1999). وبالرغم من كثير من الكتابات التى حاولت أن تحجب دور يوسف صديق مجاملة للسلطة. إلا أن شهادة هيئة البحوث العسكرية قالت «القول الفصل» حسب ما جاء فى سيرة يوسف صديق التى كتبتها زوجته المناضلة علية توفيق المعنونة: «يوسف صديق وجمال عبدالناصر وأنا» (صدرت عن مركز الأهرام للترجمة والنشر- 2000).

(2)

وبالرغم من قناعة البكباشى بضرورة الفعل الثورى فى مواجهة «الاحتلال والنظام الملكى الفاسد» (بحسب سيرته)، إلا أنه انحاز إلى الديمقراطية وهو الانحياز الذى لم يصطف فيه إلا هو أولا، ثم خالد محيى الدين لاحقا. وكان هذا الموقف الخلافى دافعا أن يقدم استقالته سريعا من مجلس قيادة الثورة فى يناير 1953، بالإضافة إلى عوامل أخرى منها الموقف من العاملين خميس والبقرى، وهو المنحاز للعدالة الاجتماعية وواعيا لدور الحركة العمالية. (لحقه بعد ذلك خالد محيى الدين بعد أزمة 1954)... وتسبب الخلاف فى نفى وتحديد إقامة واعتقال يوسف صديق، على التوالى، خلال المدة من 1953 إلى 1956.. ومع تأميم القناة تجاوز الخلافات وقدم نفسه لناصر ليقود المقاومة الشعبية فى مواجهة العدوان الثلاثى.. ومع مرور الوقت عادت المياه إلى مجاريها مع عبدالناصر. ومع غياب ناصر فرض الحجب القسرى على يوسف صديق.. وتشير ثلاث مقالات لمصطفى أمين، فى 1984 و1991 و1996، إلى اعتذاره ليوسف صديق بأنه كان على حق فى الكثير مما أثاره مبكرا ووصفه بأن «هذا الرجل تحمل ما لا يتحمله البشر كان دمه ينزف وهو يقود القوة المكلفة بالاستيلاء على القيادة».. «كان بطلا يمشى كبطل ويفكر كبطل ويتكلم كبطل». (أعادت نشرها زوجة يوسف صديق فى كتابها)...

(3)

فى هذا السياق، أسعدنى جدا منح قلادة النيل ليوسف صديق فى الذكرى السنوية الـ 66 لثورة يوليو. حيث يحمل هذا التقدير دلالات عدة: أولها: إعادة الاعتبار لشخصية وطنية كبيرة. ثانيها: الإعلاء من قيمة الامتنان لكل من أنجز شيئا لمصر (وبحسب مصطفى أمين أن مصر لن تنسى فضل أى رجل خدمها وضحى من أجلهاـ يوليو 1996). ثالثها: أنه مهما طال زمن تغييب الحقائق والتأخر فى تقدير القامات الوطنية، فإنه لن يصح إلا الصحيح. رابعها: أن اختلاف الرؤى حول مصر التى نريد لا يمنع التقدير.. وأملى الاقتداء بهذه المبادرة الطيبة بمد مظلة التقدير والامتنان لبناة الوطن فى شتى المجالات وخاصة المنسيين...


طباعة   البريد الإلكتروني
0
0
0
s2smodern