رافق
تطبيق قانون الانفتاح الذى صدر سنة 1974 حملة شرسة على القطاع العام الصناعى الذى كان يعد قاعدة إنتاجية غير مسبوقة فى المنطقة فى مجالات شتى: الحديد والصلب، الدواء، الكوك، الغزل والنسيج،... إلخ.
كانت الحملة تركز بالأساس على سوء إدارة القطاع العام. وبالفعل أثمرت خصخصة كثير من شركات القطاع العام، وانطلاق زمن القطاع الخاص والاستثمارات الأجنبية. وكان من المستهدف من هذا التحول هو تجديد البنية الاقتصادية بعناصرها المتنوعة والتى من ضمنها البنية الإدارية. وذلك من خلال:
أولا- مواكبة نظم الإدارة الحديثة.
ثانيا- تيسير العملية الإدارية بما يخدم الأهداف التنموية العامة للوطن.
ثالثا- تطوير القيم الإدارية الحاكمة بما يضمن مساحة إبداع أوسع للعاملين كذلك إنتاج أوفر.
والملاحظ بعد ما يقرب من 40 سنة من الاقتصاد الحر أن الإدارة المصرية تعانى من الكثير من الأمراض الإدارية.
(2)
فعلى الرغم من التقدم المطرد الذى تشهده «العملية الإدارية» خارج مصر بالتحول إلى ما يعرف «بالإدارة الشبكية» فى بعض القطاعات، وإلى ما بات يطلق عليه «الإدارة الخلوية» فى البعض الآخر. فإنه يمكن رصد بكل سهولة كيف أن ما كان يؤخذ على القطاع العام من «مثالب» إدارية انتقل إلى كثير ليس فقط القطاعات الخاصة/ الاستثمارية التقليدية، وإنما إلى القطاعات الخاصة/الاستثمارية الحديثة التى قدمت إلى مصر. بالإضافة إلى القطاع الحكومى/ العام بالطبع.. فلم تزل «الإدارة الهرمية» التى تتسم:
أولا- بدورة ورقية ممتدة.
ثانيا- بشروط «تعسيرية».
وثالثا وهو الأهم- النظر إلى المواطن باعتباره كاذبا إلى أن يثبت العكس.
يضاف إلى ما سبق غلبة الإدارة العائلية: ملكية وتوظيفا، وإدارة أهل الثقة لا الخبرة، وتوظيف عمالة رخيصة فى قطاعات مثل السياحة تحتاج إلى كوادر تمتلك مهارات عالية، وعدم رصد أموال (أو الاستثمار) لتطوير الإدارة، النقل المستمر لملكية الشركات ما يعوق وضع خطط تطويرية بشكل عام وللإدارة بشكل خاص.
وأخيرا الإفراط فى الصرف على الحملات الإعلانية فوق المقبول على حساب الكثير من العناصر.
وقد يقول قائل إن الإدارة العائلية منتشرة فى الخارج. وأقول نعم، ولكن هناك من الآليات ما تضمن توفر إدارة حديثة. كذلك حقوق المساهمين من خارج العائلة وحقوق المستهلكين للخدمات والسلع. وقد يقول قائل آخر هناك ظروف اجتماعية تدفع بتعيين غير المؤهلين أو هناك ضغوط لتعيين النافذين فى مواقع متميزة... إلخ.
(3)
المحصلة الأكيدة لما سبق تشير إلى أننا نعانى من «سوء الإدارة» فى: التنظيم، والأداء، وجودة المخرجات، وهى عناصر لها تداعيات مؤثرة ليس فقط على العملية الإدارية وإنما مجمل العملية التنموية. ولا ينبغى النظر إلى تطويرها من منظور «فنى» محض يمكن معالجته من خلال دورات تدريبية. وإنما علينا إدراك أن الإدارة الناجحة هى نتاج عملية تربوية وثقافية وتعليمية مركبة. أحد أهم عناصرها التنشئة على «الانضباط» Discipline؛ ليس بالمعنى الضيق: الفوقى/ الهرمى/ السلطوى، بل بروحيته التى تقوم على «الاتقان»، الذى يعد المفتاح إلى التقدم والحضارة والمدنية.
ومن ثم الإيمان بأن «جودة الإدارة» هى من عناصر الانطلاق إلى الأمام. كذلك عنصر جذب تنموى لمصر، لأنها تعد «الرافع والحامل والحاضن...» للرؤية التنموية الوطنية وأهدافها، وسياساتها العامة.