وداعا لعب الأطفال

(1) تأكد الخبر الذى أعلن منذ فترة بإغلاق المتجر الأمريكى/ العالمى الذى تخصص فى بيع لعب الأطفال «Toys R Us» على مدى سبعين عاما (تأسس فى 1948). وبعيدا عن الملابسات المالية والاقتصادية والائتمانية التى أدت إلى إفلاس مؤسسة كان لها ما يقرب من 1000 معرض داخل الولايات المتحدة الأمريكية ومثلها، تقريبا، فى شتى قارات العالم. فإن خبر الإغلاق يحمل أكثر من دلالة رمزية على ما يتعرض إليه عالم اليوم من تحولات جذرية تنقل الإنسانية إلى «حالة حياتية» مختلفة وجديدة. حيث لا تنفع مع هذه الحالة أى من المدركات، والأساليب، والمهارات، والتوجهات... إلخ، القديمة.

(2) فلقد ارتبطت ثقافة الأطفال دوما بثقافة المجتمع السائدة. فالمجتمع الأبوى هو الذى يحدد اللعب التى على الأطفال أن يلعبوا بها بشكل عام. ولأنه مجتمع أبوى، وذكورى فى آن واحد. قسم الألعاب التى تصلح للبنات (العروسة) من جهة، وللأولاد (المسدس أو البندقية أو ملابس سوبرمان) من جهة أخرى. وظل هذا التقسيم سائدا على مدى أجيال ممتدة. أخذا فى الاعتبار أن ألعاب هذه المرحلة الممتدة تصنف بأنها من نوعية «الألعاب الصلبة» من حيث: نوعية تصنيعها، وطبيعة المواد المستخدمة، وحجمها، وقدرتها على التحمل، كما لم تكن بالضرورة تستهدف ذهن الأطفال... إلخ. وبمرور الزمن بدأ الاهتمام بالألعاب الذهنية والمهارية والتركيبية والآلية مثل ألعاب: المعمل الكيميائى، والميكانو الهندسى، والروبوتات. وكان الواعون من الأهل والتربويون يراعون ملاءمة اللعبة لمراحل الطفولة العمرية وفقا لخصائص كل مرحلة منها. والتى يصنفها البعض أحيانا بمراحل: الخيال، والبطولة، والتساؤلات، ويقسمها البعض الآخر بمراحل: الأحلام الأولى، والاستطلاع والفضول، والتحدى والمنافسة، والمثالية... إلخ. كان هناك اعتقاد بأن هذين التصنيفين وغيرهما تصنيفات ستظل إلى ما لا نهاية، إلى أن جاء ما أطلقنا عليه، مبكرا، «الزمن الرقمى».

(3) وظنى أن الزمن الرقمى بما أنجز من «تقنيات» رقمية، خلق ثقافة مجتمعية جديدة. وبالتالى «حالة إدراكية جديدة لأطفال هذا الزمن». ليس فقط فى البلدان الغنية بل الفقيرة أيضا. فلقد أسهمت الأجهزة الذكية «Smart Machines»؛ من جانب و«العالم الشبكى» بوسائله التواصلية المتجددة، فى الانتقال إلى ما أطلقت عليه: «زمن ما بعد جوجول»... والأكيد أن الخصائص التى تميز «الطفولة» بمراحلها (وما تتسم به من أنماط تفكير، وسلوكيات، ومدركات، وردود أفعال... إلخ) قد تغيرت وتطورت، بل ستخضع للتغير الدائم طالما تجددت التقنيات الرقمية وتداخلت فيما بينها: التليفزيون، والمحمول، والإنترنت، ووسائل الاتصال الاجتماعى بأنواعها، ويسّر تنزيل «الـAPP»؛ (التطبيقات) أن يستحضر الطفل كل ما يرغب أن يعرفه ويلعبه ويتعاطى معه ليكون بين يديه.

(4) خلقت الأجهزة الذكية ملامح ثلاثة لطفل هذا الزمن هى: أولا: مكنته من أن يخلق «دنيته» التى يريدها «بمعرفته». ثانيا: أتاحت له أن يعرف كل شىء بنفسه بعيدا عن المرجعيات التاريخية. ثالثا: تأسيس زمن جديد وأجيال جديدة بألعاب رقمية ذات طبيعة تغييرية دائمة.. ألعاب يمكن للفقير والغنى أن يتعاطى معها.

بلغة أخرى انتهى «زمن العروسة التى تقول بابا وماما».. «والسيارة التى يدفعها الولد بيده» فى إطار مجتمع نظن أنه ساكن وأبويته أبدية.. وألعابه للقادرين فقط.. إن الأمر يتجاوز غلق متجر للعب الأطفال.. إنه ميلاد لزمن جديد رقمى الفكر والممارسة.


طباعة   البريد الإلكتروني
0
0
0
s2smodern