ماركس 200

المطلوب ليس «تفسير» العالم، فقط، وإنما «تغييره»، أيضا..

(2)

تلخص هذه العبارة، بهذه الصياغة المُنقحة، حياة الفيلسوف والممارس السياسى كارل ماركس (1818ــ 1883)، التى حلت ذكرى مئوية ميلاده الثانية فى الخامس من مايو الماضى. وقد واكبت ذكرى ماركس احتفالات وفعاليات ثقافية وسياسية وفكرية متعددة. ففى مسقط رأسه بمدينة ترير جنوب غرب ألمانيا أزيح الستار عن تمثال مصنوع من البرونز، مهدى من الصين، لكارل ماركس حاملا كتابا فى يده اليمنى، فى وضع يبدو فيه سائرا إلى الأمام، حيث تتقدم قدمه اليسرى بخطوة عن قدمه اليمنى. وسوف تستمر المدينة فى احتفالها بابنها الخالد على مدى العام الحالى من خلال عدد من المعارض بالإضافة إلى احتفالية كبيرة تحت عنوان: «ميجا ماركس»..

(3)

ولأن الذكرى الـ150 لإصدار مؤلفه البارز «رأس المال»؛ (بأجزائه الثلاثة التى صدر الأول منها فى حياة ماركس فى 1867 ثم تكفل فريدريك إنجلز (1820ـ 1895)، صديق عمره وشريكه الفكرى بإصدار الجزءين التاليين)، قد حلت فى أكتوبر الماضى، فلقد تقرر تنظيم عدة فعاليات فكرية لمناقشة أعمال وحياة كارل ماركس تحت ما بات متداولا فى الإعلام الغربى باسم: «ماركس 200». حيث تتم إعادة قراءة أفكار ماركس فى ضوء ما جرى للعالم من تحولات حادة تعرضت فيها الرأسمالية العالمية لأزمات متعاقبة باتت مزمنة.

(4)

فلقد ساهمت الأزمة الاقتصادية والمالية الأبرز، والأخطر، والأسوأ تاريخيا التى تعرض لها العالم سنة 2008 فى إعادة النظر مجددا فى أفكار ماركس وإنجلز التى درست «ميكانيزمات» السياسات الاقتصادية للرأسمالية. كذلك رسم تفاصيل تركيبة اقتصاديات المجتمعات وأنماط وعلاقات الإنتاج فيها.. وتمثلت إعادة النظر فيما يلى: أولا- إصدار كتب شارحة لكتابات ماركس ومواد إعلامية متنوعة تيسر فهم كتابات ماركس مثلما فعلت دور النشر فى ألمانيا وإنجلترا واليابان. بالإضافة إلى ترجمات معاصرة حديثة فى أكثر من بلد. (وفى هذا المقام نشير إلى الترجمة البديعة «لرأس المال» التى قام بها المفكر الذى غادرنا مؤخرا فالح عبدالجبار، والتى صدرت فى 2013). وفى هذا المقام لا ننسى أن الدكتور راشد البراوى قد قام بترجمة رأس المال فى الستينيات. كما كان للدكتور فؤاد مرسى، أحد رموز اليسار المصرى، جهد فى تقديم رأس المال فى كتيب مختصر للشباب فى الستينيات أيضا.

ثانيا- القراءة الجديدة فى ضوء المستجدات التى طرأت على المجتمعات الرأسمالية ونموذج ذلك المفكر البروفيسور «تيرى إيجلتون» فى كتابه: «لماذا كان ماركس على حق؟ Why Marx Was Right?» (صدر فى 2011 وأشرنا له أكثر من مرة).

ثالثا- محاولة الاشتباك الفكرى بين مفكرين معاصرين لهم اجتهاداتهم الفكرية لما جرى ويجرى فى العالم فى ضوء رأس المال ومقولاته مثلما فعل المفكر العالمى إيمانويل والرشتين، صاحب المؤلف المرجعى «تاريخ النظام العالمى».

رابعا- استلهام رأس المال التاريخى فى قراءة المُلمات التى ألمت بنا بسبب الرأسمالية الشرسة فى تكريس «لا مساواة» غير مسبوقة فى تاريخ الإنسانية. وهو الجهد الذى قام به الاقتصادى الفرنسى الشاب «توماس بيكيتى» فى مرجعه العمدة «رأس المال فى القرن الواحد والعشرين»..

(5)

«ماركس 200»؛ مناسبة تستثمرها الدول والجامعات ومراكز البحث لتنشيط العقل وتجديد الفكر. فى هذا الإطار تم تنظيم حوارية فى برلين أكتوبر الماضى حول: «السياسات والنظرية الاشتراكية». كما أقيمت حوارية أخرى فى كندا نهاية العام الماضى حول «الثورة» باشتراك مجموعة من الجامعات الكندية والآسيوية. وخلال هذا الشهر تنعقد فى إحدى جامعات إنجلترا (SOAS) حوارية دولية حول «أعمال ماركس»، ومن خلالها سوف يتم التطرق لكثير من القضايا الإشكالية: حول الطبقات المعاصرة، السياسات النيوليبرالية، والتقشف، ودور الدولة الراهنة، الماركسية والقهر المعاصر، التكنولوجيا وآثارها، مساهمة الماركسية للاقتصاد السياسى، الماركسية كقوة تغيير،.. إلخ، وسوف تتوالى الفعاليات حتى نهاية العام.

ففى يوليو، ولمدة خمسة أيام، سينعقد مهرجان أفكار ماركس فى قلب لندن.. ولا ننسى فى هذا السياق الفيلم الذى عُرض فى مهرجان كان 2017: «كارل ماركس الشاب»؛ الذى ركز على فترة شباب ماركس حتى إصداره البيان الشيوعى. وكيف أوضح أن أفكاره قد استلهمها من الواقع. فلم يكن فقط فيلسوفا يعنى بتفسير العالم فقط بل يسعى إلى تغييره من خلال الممارسة السياسية.

(6)

«ماركس 200»؛ تؤكد لنا على قيمة تقدير الرموز، كما تلفت النظر إلى أن الأفكار القيمة لا تموت وتكون لها القدرة على التجدد. كما تكون من الأصالة والمرونة من تحمل النقد والاشتباك معها فى ضوء المستجدات.. ويبقى السؤال: لماذا نحن بعيدون عن هذه الحيوية الفكرية والإبداعية؟.


طباعة   البريد الإلكتروني
0
0
0
s2smodern