الصحافة الورقية: تكوين.. والرقمية: تمكين

عندما يتعامل مليار مواطن على ظهر الكرة الأرضية مع تقنية «اليوتيوب» شهريا، بحسب إحصائيات حتى نهاية عام 2016، لابد أن يطرح العقل اليقظ الكثير من الأسئلة حول: مستقبل القراءة؟، ومستقبل الإعلام المقروء؟، وهل انتهى «الزمن الورقى» لصالح «الزمن الرقمى»؟... فى هذا السياق انشغل المعنيون باقتصاديات الصحافة فى العامين الأخيرين بدراسة مستقبل الصحافة الورقية. وهل فى طريقها إلى «الانقراض» أمام «القفزات» بل «الطفرات» التى يشهدها الإعلام الإلكترونى عموما، والصحافة الإلكترونية على وجه التخصيص..

(2)

بالرغم من توقف بعض الدوريات عن الاستمرار فى الطبع مثل دورية «بوليس ريفيو» الأمريكية التى تصدر عن مؤسسة هوفر. وصحيفة كريستيان ساينس مونيتور الأمريكية التى توقفت سنة 2009 وجريدة السفير اللبنانية التى توقفت العام الماضى. بالإضافة إلى تعرض كثير من الصحف الشهيرة لأزمات مالية مثل: «اللوموند» الفرنسية الشهيرة... إلخ. وبالرغم، أيضا، من تبلور ما يمكن تسميته «جيل ما بعد جوجل»؛ أو جيل ما بعد منتصف التسعينيات من القرن الماضى. وأقصد بهم الكتلة البشرية التى بدأت تتعاطى مع مؤشر جوجل: اطلاعا، وبحثا، وتواصلا. أو «الجيل الرقمى» الذى يعيش جانبا غير قليل من حياته اليومية مع تقنيات التواصل الاجتماعى المتنوعة.. إلا أن العقل الغربى قد واجه المتغيرات بعقلية بحثية واقتصادية فى آن واحد...

(3)

فلقد فرض التحدى أن يبحث المعنيون عن إعادة تعريف الصحيفة الورقية سواء اليومية أو الأسبوعية بعناصرها التحريرية، وكيفية إدارة العملية الصحفية فى ضوء التعريف الجديد.. فهناك اتفاق فى الغرب على أن هناك رمزية ما فى ضرورة وجود الصحف بألوانها الفكرية والسياسية المتنوعة فى الطرقات والميادين من خلال «الأكشاك» ومنافذ البيع المختلفة تأكيدا على الشفافية والعلانية. وأنه لا يمكن أن يؤول الأمر إلى مواقع إلكترونية تنطلق من غرفة مغلقة ويتصفحها مواطن يقبع فى مكان ما. إلا أن ذلك لا يعنى أن تصدر الصحف بنفس النهج القديم... كيف؟

(4)

فعلى سبيل المثال لابد من إعادة تعريف الخبر فى الصحيفة الورقية، فيقينا لا يمكن لها أن تنافس الموقع الإلكترونى فى عرض الأخبار «الطازج» ولكن يمكن للصحيفة الورقية أن تصحح وتحقق وتفرز الأخبار المتدفقة دون توقف على مدى اليوم. وأن تقوم بـ«التربيط» بين الأخبار وتحليلها وتقديم السيناريوهات المختلفة حول مضمون هذه الأخبار. أى تستكمل الصحيفة الورقية «الفراغات» التى فاتت على الموقع الإلكترونى. ومن ثم يأتى الإخراج الصحفى ليكون مجالا للإبداع البصرى وعليه ضرورة الإكثار من الجداول الشارحة، والرسومات الموحية والموجزة والصور ذات الإبداع الخاص غير النمطية، وهو ما تحاول أن تنجزه التايم، والإيكونوميست، والفايننشال تايمز، والنيويوركر، ونيويورك بوك ريفيو، ومجلة هيستورى... ،إلخ. وكلها لم تزل تصدر ولها من يشتريها فى أكشاك الصحافة فى أوروبا. وبنفس المنهجية تتم إعادة تعريف المقال، والتحقيق، وكيفية تقديم الصفحات المتخصصة بطريقة مختلفة...

(5)

فى المجمل، بات الموقع الإلكترونى مساحة «شراكة» بين القراء «تمكنهم» من: التعبير عن أنفسهم، والتعليق، والنقد... أنه شكل من أشكال تحقيق قدر من الديمقراطية التشاركية المباشرة، حيث يتاح للقارئ فرصة الفعل اللاحق سواء عبر المجال الإلكترونى أو المدنى. أخذا فى الاعتبار ضرورة الوعى أنه مهما ارتبط القارئ بالموقع إلا أن المتصفح الإلكترونى ولاعتبارات كثيرة يطالع الكثير من المواقع. بينما القارئ الورقى يرتبط إلى حد ما بالصحيفة الورقية وينتمى إليها- نسبيا- لأن هناك هوية مشتركة بينهما تتيح للصحيفة أن تمارس عملية «التكوين» اللازمة لإعمال العقل، والتفكر بتأن إزاء ما يجرى، ويدور من أحداث، وينفذ من سياسات، ويثور من سجالات... إلخ. شريطة أن تمارس الصحيفة الورقية «التكوين» دون هيمنة أو ممارسة الغش الإعلامى بالحقائق الزائفة. وإلا فسوف يهجرها القارئ فورا...

(6)

فعملية التكوين لابد أن تكون دعما لشخص القارئ كـ«مواطن». ما يمكنه لشراكة فاعلة..

هذه هى الصيغة التى سوف فى كثير من الدوريات المعروفة فى العالم الجديد..

وهى صيغة لها اقتصاداتها الجديدة التى تربط بين الصحافتين الورقية والرقمية فى إطار عمليتى: التكوين والتمكين.. وكل عام والمصرى اليوم مزدهرة ومتجددة..

تنويه: نواصل الأسبوع القادم الحلقة الخامسة من سلسلة «حراك يناير فى عيون الغرب» ونعرض لكتاب «الاحتجاج: مقدمة ثقافية للحركات الاجتماعية»، لجيمس جاسبر ــ 2014، وترجمة عادل شعبان ــ 2018.


طباعة   البريد الإلكتروني
0
0
0
s2smodern