رسائل العيسوى العشر لتنمية مصر.. (4): التنمية المستقلة: 6 ركائز

تحت عنوان «نموذج تنموى بديل»، يُبلور الأستاذ الدكتور إبراهيم العيسوى فى الرسالة العاشرة من رسائله، حول مستقبل التنمية فى مصر، طبيعة ونوعية «التنمية السوية» المنشودة. فيحددها بأنها «التنمية المستقلة»، أى التنمية «المعتمدة على القوى الذاتية للمجتمع».. وبوضوح وحسم وصرامة- علمية وعرفية- يميزها عن «التنمية التابعة»، أو التنمية «الرأسمالية التابعة التى تتجسد فى النيوليبرالية التى أعادتنا باسم الانفتاح وباسم الخصخصة واقتصاد السوق وباسم الشراكات الاستراتيجية مع دول المركز الرأسمالى إلى عهود التبعية».. ولا سبيل لللخروج من الأزمة المستحكمة الناتجة عن الأخذ «بالتنمية التابعة» إلا «بتنمية بديلة»، هى «التنمية المستقلة». وإلا نكون مثل الذى لا يتعلم من دروس الماضى ومن الآخرين.. ويطرح العيسوى، بالأخير، رؤيته «للتنمية المستقلة».

(2)

تقوم التنمية المستقلة على ست ركائز كما يلى.. أولاً: الاعتماد على الذات بالرفع الكبير لمعدل الادخار المحلى وتمويله للجانب الأكبر من الاستثمار، والنهوض بالقدرات البشرية للسكان. ثانياً: التخطيط القومى الشامل. ثالثاً: المشاركة الديمقراطية والتوزيع العادل للثروة. رابعاً: انضباط علاقات الاقتصاد الوطنى بالخارج. خامساً: التعاون فيما بين دول الجنوب على شتى الجبهات. سادساً: مراعاة متطلبات الاستدامة بالمعنى الواسع.. وفى ضوء الخبرة التاريخية الوطنية من جهة. ومن جهة أخرى، خبرات الآخرين، يفصل العيسوى كل ركيزة من الركائز الست السابقة بصورة مكثفة تمزج بين الفكر والإجراءات العملية.

(3)

بداية، يشير العيسوى إلى أن الاستثمارات لا تتدفق إلا على الدول التى تكون قد رفعت معدلات ادخارها واستثمارها رفعاً كبيراً. خاصة أن تجارب الآخرين تشير إلى أن الاستثمارات لا تتدفق إلا على الدول التى تكون قد رفعت معدلات ادخارها واستثمارها رفعاً كبيراً.. كما يؤكد ضرورة توفير بنية علمية وتكنولوجية متقدمة. وعدم الاكتفاء بالتوسع فى البنية التحتية فقط. كذلك تأمين بيئة سياسية ديمقراطية تتجاوز «الديمقراطية التمثيلية التقليدية إلى ما بات يُعرف بالديمقراطية التشاركية التى تتيح اشتراك المواطنين فى اتخاذ القرارات التى تمس مشروعهم التنموى الشامل المستقل». وهو أمر لن يتم ما لم يصحح الخلل القائم فى توزيع الدخل والثروة. فالفقر لا يعين فى تأمين النفوذ السياسى. ومن ثم تنحصر السياسة على أصحاب الثروات، حيث تترتب على ذلك تشريعات وقوانين وضرائب تكون فى مصلحة القلة.

(4)

ومع ضعف القطاع الخاص، واليقين التاريخى من أن «السوق لا تصنع تنمية»، فإنه على الدولة الحضور الفاعل متعدد المهام والذى يشمل: وضع السياسات، مع اتخاذ إجراءات تضمن ضبط مستويات الاستهلاك والحد من الاستيراد غير الضرورى، وتحويل الفائض الاقتصادى الكامن إلى فائض اقتصادى فعلى تتم السيطرة عليه ما يمكن من زيادة معدل الادخار. واشتراك الدولة فى الإنتاج والاستثمار الإنتاجى. خاصة أن التصنيع هو عصب التنمية فى دولة مثل مصر، وذلك فى ضوء: الهيكل القائم والمحتمل لمواردها من جانب. ومن جانب آخر عجز القطاع الخاص عن تحقيق نهوض صناعى إما بسبب: قصور قدراته، أو ارتباطه بالشركات الدولية التى توكل إليه دوراً هامشياً لا يتجاوز دور الوكيل أو السمسار فى تصريف الكثير من منتجاتها، أو- على أقصى تقدير- دور المُجمع للمكونات التى توردها له. وأخيراً لتصحيح الخطأ التاريخى الذى أجهز- نسبياً- على القاعدة التصنيعية أو أعاق تقدمها. ويدلل العيسوى على ذلك بأن «حصة الصناعة التحويلية فى الناتج المحلى الإجمالى قد انخفضت إلى ما دون المستوى الذى كانت قد بلغته قبل 50 سنة (17% فى 2016 مقابل 19% فى 1967).. كل هذا فى إطار تخطيط قومى شامل انطلاقاً من رؤية استراتيجية مستقبلية ينظر فيها إلى السوق كأداة مساعدة تعمل- هى والقطاع الخاص- فى الحدود التى ترسمها الخطة القومية الشاملة.

(5)

وبعد، هذا هو نموذج «التنمية المستقلة»، وهو «اختيار»، بحسب العيسوى: «أهون كثيراً وأقل كلفة مما يصاحب تطبيق النموذج النيوليبرالى من اضطرابات اقتصادية، ومظالم اجتماعية، وأضرار بيئية، وعلاقات تبعية يعوقك فيها الكبار عن التقدم».. وهو نموذج «نقدر/ نستطيع» الأخذ به ولدينا خبرته، شريطة أن الاستيعاب العميق لما جاء فى رسائل الأستاذ الدكتور إبراهيم العيسوى العشر لتنمية مصر.


طباعة   البريد الإلكتروني
0
0
0
s2smodern