رسائل العيسوى العشر لتنمية مصر.. (2) «التنمية السوية»

(1) ما يهدف إليه الدكتور إبراهيم العيسوى من كتابه «عشر رسائل فى الاقتصاد السياسى للتنمية: مع التركيز على الحالة المصرية»، الصادر منذ أشهر قليلة، هو ضمان وضع «موجهات» معينة أو «بوصلة» حاكمة للعملية التنموية التى يصفها «بالسوية». ويخصص لها رسالتين هما الرابعة والخامسة ليفسر ماذا يعنيه «بالتنمية السوية».. ولكن قبل ذلك يقوم بإرسال ثلاث رسائل فى ضوء الخبرة التاريخية المصرية «كفرشة» أو تمهيد لرؤيته للتنمية المرجوة.. فما هى هذه الرسائل؟

(2) ينطلق الدكتور إبراهيم العيسوى فى رسائله التنموية المستقبلية من الخبرة التاريخية. فمن الضرورى- بل الحتمى- أن نعى دروس التاريخ السلبية التى أضرت بمصر «وجرت عليها الكثير من الويلات»، ونتجنبها. لذا يقوم «بزيارة سريعة للقرن التاسع عشر». ويذكرنا كيف أن «الاعتماد المُفرط على الخارج» من خلال «الإفراط فى القروض الخارجية»، قد أدى إلى «تبعات جسام»، منها: التبعية، والسيطرة الأجنبية على التوجهات الاقتصادية والاجتماعية للبلاد. ما دفع «بإنشاء صندوق الدين» وفرض ما بات يُعرف تاريخياً بـ«الرقابة الثنائية» على مصر ومقدراتها، «حماية لمصالح الدائنين». وهى الإجراءات التى جاءت رداً على «السياسة المالية الخرقاء التى أدت إلى إفلاس مصر»، بحسب الرافعى. ويؤكد العيسوى فى رسائله كيف أنه كلما تكرر هذا الموقف تاريخياً تعرضت مصر لأزمة طاحنة. فيذكرنا بما جرى من تفاقم الدين الخارجى مطلع السبعينيات وما بعدها، وما جره من تداعيات مدعوماً بالأرقام.

(3) ويخلص العيسوى إلى أن القراءة التاريخية فى هذا المقام تهدينا إلى تقديم ثلاثة دروس فى صورة ثلاث رسائل تنموية للاستهداء بها فى إدارة الاقتصاد الكلى والتخطيط القومى وبرامج الإصلاح، وذلك كما يلى: أولاً: أهمية التنمية بالاعتماد على «القوى الذاتية للمجتمع كصمام أمان لاستدامة التنمية ولصيانة الاستقلال الوطنى» نحو التنمية الشاملة: المستقلة والعادلة والمستدامة.. وثانياً: أهمية حسن الإدارة فى إطار «تخطيط جدى وجيد» يؤمن كفاءة وفاعلية عالية فى «التناسق بين السياسات فى مختلف القطاعات».. وثالثاً: التأكيد على أنه لا «تنمية سوية» قابلة للاستدامة دون ديمقراطية.. وينتقل الدكتور العيسوى لشرح رؤيته حول «التنمية السوية» فى رسالتيه الرابعة والخامسة

(4) يقول الدكتور العيسوى إن «المقاربة الصحيحة للتنمية هى المقاربة الكلية الشمولية، التشابكية والتكاملية.. فالتنمية مفهوم مركب، بمعنى أنه ليس فقط متعدد الأبعاد، وإنما هو مفهوم تتشابك أبعاده المتعددة بطرق متعددة أيضاً، وتعتمد جودة إدارة الاقتصاد الكلى وجودة التنمية- وكذلك جودة التخطيط لها- على إدراك هاتين الخاصيتين من خصائص التنمية وعلى حسن توظيفهما: التعددية أى تعدد الأبعاد، والشبكية أى تشابك الأبعاد».. بلغة أخرى هو أنه لا تنمية اقتصادية محضة. بل التنمية هى عملية يتم «تضفيرها» بين عدة عناصر. وأحد معايير نجاحها و«سويتها» هو أنها «مستدامة» أى مستمرة، وتتسم بأنها تحمل قيم تقدم ليست كمية فقط وإنما نوعية وكيفية.

(5) وعليه تكون هذه الضفيرة من سبعة عناصر متشابكة ومتفاعلة هى: أولاً: نظام سياسى يؤمن المشاركة الفعالة للمواطنين فى اتخاذ القرارات. ثانياً: نظام اقتصادى قادر على توليد فوائض ومعرفة تكنولوجية بالاعتماد على الذات، وباستدامة. ثالثاً: نظام اجتماعى يوفر حلولاً للصراعات الناشئة عن اختلالات التنمية من لا مساواة وفقر وضعف إشباع الحاجات الإنسانية. رابعاً: نظام إنتاج آمن غير ضار بالبيئة. خامساً: نظام تكنولوجى متجدد. سادساً: نظام إدارى يتسم بالمؤسسية المبدعة. سابعاً: نظام دولى داعم لأنماط التجارة والتمويل القابلة للاستدامة.. وعليه بتكامل هذه العناصر معا نضمن «تنمية سوية». ولا ينسى العيسوى التأكيد على أهمية الإبداع الذاتى- وفقاً للحالة المصرية- للنموذج التنموى السوى الذى نشرع فى التفكير فيه وتنفيذه.

(6) وفى هذا السياق، يقدم بعض الملاحظات النقدية لعدد من السياسات المُنفذة. كما يشير إلى غياب النظرة التكاملية فى إدارة العملية التنموية، ويدلل على ذلك على أكثر من صعيد. كذلك غياب الرابط/ الناظم بين عناصرها. ما يعوق التنمية السوية.. ونواصل مع الدكتور العيسوى قراءة رسائله العشر لتنمية مصر.


طباعة   البريد الإلكتروني
0
0
0
s2smodern