الدكتور إبراهيم العيسوى هو واحد من سلسال الإبداع المصرى فى المجال الاقتصادى. أخذا فى الاعتبار أن الاقتصاد لديه ليس أرقاما ومعادلات منبتة الصلة بالواقع والمجتمع. وليس إجراءات فنية منفصلة عن تحولات الواقع والعلاقات البينية للجسم الاجتماعى. لذا انشغل بقضايا: «الفقر، والعدالة الاجتماعية، والتبعية، والانفجار السكانى، والدعم». كما حرص على متابعة جديد «النماذج التنموية»، ومسار النظام الاقتصادى الدولى. وعنى برسم خريطة طبقية للجسم الاجتماعى المصرى ودراسة السياسات المنفذة ونقدها وتقديم البدائل.
(2)
ومنذ شهر، شرفنى الدكتور العيسوى بأن أرسل لى أحدث إبداعاته وهى عبارة عن دراسة مكثفة فى تسعة فصول، بالإضافة إلى المقدمة والخاتمة، وتقع فى 72 صفحة.. عنوان الدراسة: «عشر رسائل فى الاقتصاد السياسى للتنمية: مع التركيز على الحالة المصرية».. تتضمن الدراسة خلاصة رؤية الدكتور العيسوى «للنموذج التنموى» الذى يجب أن يتبع فى ضوء الخبرة التاريخية المصرية. والتأكيد على أن النجاح الاقتصادى لا يتحقق بغير توفر نموذج تنموى. ما يتطلب نقد السياسات النيو ليبرالية ومؤسساتها الداعمة من جهة. من جهة أخرى دحض ما أطلق عليه «الأساطير التنموية» التى ارتبطت بالليبرالية الجديدة. وبالأخير يقترح نموذجا تنمويا وطنيا.. كل ما سبق انطلاقا من أن «التنمية هى القضية المركزية لمصر ولسائر الدول النامية».
(3)
ولأن التنمية هى الهدف فإنها لابد أن تكون هى «المنظور الذى يجب الانطلاق منه لرسم سياسات إدارة الاقتصاد الكلى ولوضع الخطط التنموية ولتصميم برامج الإصلاح». ومن ثم لابد من توفر ما أطلق عليه العيسوى: «الموجهات التنموية»؛ لتوجيه حركة الاقتصاد، والتخطيط، والإصلاح.. واجتهد العيسوى فى وضع هذه الموجهات وصياغتها كمجموعة رسائل فى الاقتصاد السياسى للتنمية. وبالفعل تبلورت رسائل عشر لتنمية مصر، لكل من يهمه أمر تنمية مصر.. إن مجموع هذه الرسائل/ الموجهات أقرب «للبوصلة» الحاكمة لأى حركة مستقبلية وطنية ذاتية نحو تنمية مصر.. تنمية: «شاملة، مستقلة، وعادلة، ومستدامة».. أو «التنمية السوية»؛ بحسب تعبير الدكتور العيسوى...أى ليست العرجاء، أو المختلة، أو المنحازة،... يرسل العيسوى رسائله ويحدد موجهاته بمنهج ينطلق من التاريخ ويرصد دروسه. ثم يطرح رؤيته المنهجية. ويقوم بنقد الواقع المحلى والعالمى. وبالأخير يرسم النموذج التنموى المقترح...ونرصد عناوين هذه الرسائل كما يلى:
(4)
ينطلق الدكتور العيسوى من التاريخ ــ وتحديدا القرن التاسع عشر ــ محاولا استخلاص أهم الدروس التى تعين فى رسم النموذج التنموى المنشود الآن. وذلك من خلال الرسائل الثلاث الأولى. أما الرسالتان الرابعة والخامسة، فتؤكدان على «أهمية المقاربة النظومية والكلية للتنمية، والأخذ بمفهوم يتجاوز المفهوم الاقتصادى الضيق». كما أنهما تتضمنان بيانا لبعض ما يترتب على المفهوم الواسع للتنمية من نتائج فى مجال السياسات. وتعنى الرسالة السادسة بقضية «اللايقين من المنظورين السياسى والأمنى». ويتبين من هذه الرسالة افتقار مصر إلى المتطلبات السياسية والأمنية اللازمة للحد من «اللايقين» بوجه خاص، وللمساهمة فى بناء بيئة صديقة للتنمية بوجه عام.
(5)
وتركز الرسالة السابعة على سياسات التنمية النيوليبرالية أو وصفة توافق واشنطن. مبينة عدم نجاحها فى إطلاق قوى التنمية فى البلدان النامية، لأن هذه السياسات تتجاهل الدروس المستفادة من خبرات التصنيع المبكرة والمتأخرة من ناحية، ولأنها مصممة أصلا لخدمة مصالح دول المركز المهيمنة على النظام الرأسمالى العالمى من ناحية أخرى. لذا فإن هذه السياسات تؤدى عمليا إلى تكريس التبعية التى تشكل السبب الجذرى للتخلف.
(6)
ويحذر العيسوى فى رسالتيه: الثامنة، والتاسعة، من الآتى: أولا فى الرسالة الثامنة من القبول غير النقدى للأدلة الداعمة للنيوليبرالية التى تنتجها مؤسسات بريتون وودز وتصفها بالعلمية، بينما ثمة ما يؤكد أن بعض هذه الأدلة محمل بتحيزات عقائدية مسبقة.. وثانيا: فى الرسالة التاسعة من قبول ما تعتبره أساطير تنموية فيما يتعلق بدور كل من القطاع الخاص والتجارة الحرة والمشروعات الصغيرة وقطاع الخدمات الحديثة فى التنمية.
(7)
وتستجمع الرسالة العاشرة الخيوط التى قدمت فى الرسائل التسع السابقة لتنسج منها نموذجا بديلا للنموذج التنموى السائد. وهذا النموذج هو نموذج التنمية المعتمدة على القوى الذاتية للمجتمع أو ـ اختصارا ـ نموذج التنمية المستقلة الذى يقوم على ست ركائز أساسية.. ونواصل.