يقينا، قتل المواطن المصرى القس سمعان، فى وضح النهار.. قتل على «الهوية» بالمعنى العلمى الدقيق. فإذا كان القاتل لا يعرف من يقتل معرفة شخصية. ولكن لأنه «كاهن» ويلبس الزى المتعارف عليه تقليديا بالنسبة للكهنة، فإن ذلك يعد قتلا على الهوية..
(2)
ويقينا، هذا النوع من القتل لا يحدث ما لم تكن هناك رؤية فكرية «تشرعن» وتبرر هذا القتل. أو كما قال أستاذنا وليم سليمان قلادة فى منتصف الثمانينيات: «العنف يبدأ فكرا». أى أن قرار القتل لم يكن لينفذ ما لم يكن هناك إطار فكرى يبيح ذلك ويثمنه.
(3)
ويقينا، ليست هذه حالة القتل الأولى على الهوية. فهناك سوابق يعرفها الباحثون جيدا ترجع لأربعين سنة ماضية وتحديدا فى سنة 1978 عندما قتل القس غبريال كاهن التوفيقية بسمالوط ــ محافظة المنيا.. ولعل الأخطر فى سلسلة القتل على الهوية حادثة قتل الشباب أثناء الصلاة فى إحدى كنائس أبوقرقاص بالمنيا سنة 1987.
(4)
ويقينا، كنا نتعايش مع ما سبق من أحداث، بل نراهن على أن المجتمع المصرى قادر على استيعاب هذه «الخروقات» ورتقها فى ضوء الحياة المشتركة التاريخية التى واجه فيها المصريون كلا من: الوافدين، والمستعمرين، وأن الظلم الذى لم يميز بين المصريين على المستوى القاعدى وخلق فيما بينهم نوعا من التضامن المجتمعى فناضلوا معا ضد الظلم والإقصاء. واجتهدنا كباحثين فى محاولة إدراك طبيعة ومسيرة العلاقة بين المصريين على اختلافهم ووصلنا إلى أن التمييز والاستبعاد يزيدان فى أوقات التراجع التاريخى والحضارى والعكس صحيح.
(5)
ويقينا، لم نزل لدينا ثقة بل قناعة أن الحوار والالتزام بأسس الدولة الحديثة من مواطنة، وحداثة، ومرجعية دستورية من شأنه أن يضبط «أزمة النزاع الدينى». ولعل لحظة «التحرير» فى شحذ الهم الوطنى المشترك تؤكد ذلك.. إلا أن التفريط فى لحظات الحق الوطنى التى نجح فيها المصريون فى تحقيق قدر من الإنجاز الوطنى فى مواجهة الاستبداد السياسى والدينى قد جعل «النزاع الدينى» مستمرا وممتدا منذ 1970 حيث انطلقت أول واقعة نزاع دينى كشفنا عنها هى واقعة أخميم بسوهاج. قبل الخانكة بسنتين. (ونشير إلى 11 حدثا بين هاتين الواقعتين). وتابعنا ورصدنا وحللنا- وبالطبع حذرنا- من تطور مراحل النزاع من: العنف، إلى الاحتقان إلى السجال العقدى إلى التناحر القاعدى (وحصرنا أسباب العنف فى تسعة أسباب).. وفى العام الماضى طرحنا سؤالا فى أعقاب واقعة من الوقائع «هل دخلنا مرحلة جديدة من مراحل النزاع الدينى؟». وقصدت بذلك الإزاحة والقتل على الهوية. وفى مقال تالٍ لنا لفتنا النظر إلى ما أطلقنا عليه: «جغرافيا العنف من الأطراف إلى المركز»..
(6)
ويقينا، تتوالى الوقائع. وتتفاقم ردود الفعل.. ولعل أخطر ما يمكن أن نشير إليه حول الواقعة الأخيرة هو تناقل مشهد عملية القتل عبر «اليوتيوب»، بتفاصيلها مباشرة إلى كل منزل فى الداخل والخارج. وما أثاره فى نفوس المصريين وبخاصة الأطفال. وكأنه بث مباشر لعملية القتل.. ففى «الزمانات» كانت حوادث القتل تحدث ويكون مصيرها سطرا فى كتاب أو بحثا أو تقرير. بينما نقل عملية القتل إلى كل منزل سوف لا ينمحى من الذاكرة قط.. وأظن أنه من الواجب علينا أن نبحث وندرس ما سوف يتركه الحدث فى الذاكرة والوجدان. وبالتالى ردود الفعل التى يمكن أن تترتب على ذلك..
فالأمر ليس «عاديا» أو «عابرا».. خاصة إذا ما كان «مسنودا» بفتاوى شاذة تعايشنا معها حول: المعايدة على غير المسلمين، وإيمان غير المسلمين، والوضع القانونى للأقباط.. ومن جهة أخرى القبول بقوانين تقنن نظام الطوائف وضمنا «الذمة» و«الملة».
(7)
ويقينا، أقول قد تكون هناك نوايا وجهود طيبة فى محاولة إدراك المواطنة والمساواة على مستوى النخبة.. إلا أن الفكر المتشدد والذى- أثق- أنه لا يعبر عن عموم المصريين أصبح خطرا على الوطن المصرى التعددى بالمعنى الواسع لانتشاره القاعدى. وبات مصدرا للخوف لدى شرائح من الأجيال الشابة الصاعدة..
(8)
يقول أدونيس (بتصرف): «الوطنُ المُقفِرُ إرهابٌ «باطن» ورهبةٌ ظاهرة»..