أجرت نخبة متميزة من صحفيى «المصرى اليوم» عدة حوارات (على مدى شهرى أغسطس وسبتمبر الماضيين) مع بعض من عناصر نخبتنا التى تبدع فى مجالات عدة بدأب دون ضوضاء. الحوارات كانت على التوالى مع الفنان محمود الجندى (وكان المحاور علوى أبوالعلا)، والخبير الدولى البيئى الدكتور منير نعمة الله (وحاورته الإعلامية المعروفة رانيا بدوى)، وأخيراً المفكر الاقتصادى إبراهيم العيسوى (وحاوره الأستاذ الصحفى المخضرم مصباح قطب).. وقد استوقفنى فى هذه الحوارات عدة أمور. أولاً: أنها أثارت العديد من القضايا الجدية والجديدة التى لم يسبق التطرق إليها. ثانياً: عكست مزاجا «بحراجة» اللحظة فيما يتعلق بالموضوعات التى تم تناولها. ما استدعى إلقاء الضوء على الأسباب التاريخية التى أوصلتنا إلى ما نحن فيه. ثالثاً: دق أجراس إنذار متعددة حول الكثير من الملفات.
(2)
وكنت أظن أن ما أثير من أفكار وما طرح من معلومات كان من شأنه أن يخلق حالة حوارية جادة بعيداً عما أطلقت عليه مرة «سجالات الغلوشة». ذلك لأنها تمس صميم حاضرنا ومستقبلنا. كما أن الذين يطرحونها علينا هم من «أهل الذكر» المعتبرين. نعم قد لا نتفق مع بعض الآراء وقد نتفق مع البعض الآخر. إلا أننا- يقينا- أمام أفكار جديرة بالتأمل.
(3)
فمن القضايا المهمة التى أثارها الفنان محمود الجندى: تحولات الفنان ورحلة بحثه عن مستقر. موقف الفنان من السياسة. إضاءته المهمة عن ضرورة دراسة الجيل الذى شارك فى حرب الاستنزاف والعبور وظل مجنداً لست وسبع سنوات، وما ترتب على ذلك فى مسيرته المهنية. وطبيعة التغيرات التى طرأت على الوسط الفنى.. إلخ. أما الدكتور منير نعمة الله فلقد أثار العديد من القضايا، لعل من أبرزها: احتمالية اندثار واحة سيوة. التعاطى مع البيئة دون علم. إخراج الإنسان من المعادلة التنموية رغم أنه محورها ولا سبيل إلى أى تنمية دون أن يكون الإنسان مشاركاً فيها. انحيازه إلى عدم نقل المواطنين من بيئاتهم العشوائية وإنما العمل على تحسينها.. إلخ. وأخيراً يتناول الدكتور إبراهيم العيسوى العديد من القضايا الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. ففى مجال السياسة نجده يقترب من دور اليسار تاريخيا وأزمته الحالية، وتفضيلات الشباب اليسارى للحركة على التثقيف. ويُقيم الحالة الدستورية الراهنة، ومرحلة ما بعد 30 يونيو.. أما على الجانب الاقتصادى فيقوم الدكتور العيسوى بتقييم برنامج الإصلاح الحكومى، كذلك دور كل من البنك الدولى وصندوق النقد فى هذا السياق. ويقترب من حالة الفقر والبطالة والديون فى مصر الآن.. وفى هذا المقام نشير إلى أن الدكتور إبراهيم العيسوى قد أجرى الحوار بعد أن أنجز دراسة مهمة عنوانها «عشر رسائل فى الاقتصاد السياسى للتنمية»، موجزاً فيها رؤيته للتنمية الشاملة فى مصر. (وقد شرفنى بإرسال نسخة إلكترونية لهذه الدراسة القيمة وسوف نقدم مضمونها لاحقاً).
(4)
الخلاصة، هناك الكثير من الكلمات الثمينة الجديرة بإطلاق حوار جدى حولها، خاصة إذا ما كانت محل جدل. منها ما يتعلق بالآتى: أولاً: السياسات الحكومية المُتبعة. ثانياً: المشروعات التنموية. ثالثاً: حالة التحول الديمقراطى ومدى حيوية وازدهار الحياة السياسية والتى كان العيسوى حاسماً فى وصفه لها بأنها تعيش حالة من «التصحر». رابعاً: الوضعية الحالية بمنظومة الفن.. وفى المجمل يمكن القول: «مشروعنا التنموى»، الذى يتم بمساهمة «مواطنيه». حيث يدلل على ذلك بالحالة الماليزية. حيث تفاعل المواطنون مع الوثيقة عند طرحها لأنها أتاحت لهم مساحة من الحوار حولها، والتفاعل مع فلسفتها وخطوطها الأساسية. كما كانوا اللاعبين الرئيسيين لها. وفى نفس الوقت متابعتها وتقييمها. فعندما طرحت وثيقة 2030 هناك تفاعل معها المواطنون بالحوار ومن ثم التوافق. وعليه التنفيذ والمتابعة.. ما أحوجنا أن نلتقط هذه الكلمات. وأن نبحث عن حكماء هذا الزمان المتوارين ونستنفرهم لينطقوا بكلمات الحكمة التى من شأنها ضبط أى جموح.