المصريون وسرّ تأخرهم؟(2) الأغنياء والفقراء

اهتم الأستاذ محمد رفعت، (من مستخدمى مصلحة البوستة المصرية بحسب ما عرف نفسه على غلاف كتابه الرائد الصادر فى عام 1902): «حاضر المصريين أو سر تأخرهم»؛ بتشريح دقيق لجسم المجتمع المصرى وبنيته الطبقية. فى ضوء منهجية علمية سابقة لعصرها. فنراه من جهة المنهج، وبحسب الدكتور مجدى عبدالحافظ فى مقدمته البحثية للكتاب يقول: «جاب محمد عمر القطر، واطلع على وثائق، وبيانات، ومعلومات مختلفة من مصادر موثوقة بإدارات الدولة المختلفة، ومن شخصيات عديدة،... وقام بعمل جداول إحصائية بنفسه،...

واهتم كثيرا بالهوامش وذكر التفصيلات (أو الشروحات للنص)، إضافة إلى ذكر مراجعه ومصادره،...»، بحسب القواعد العلمية المتعارف عليها. كما «التزم محمد عمر فى معالجة موضوعاته ترتيبا منطقيا، وتاريخيا يبدأ من أعلى إلى أسفل. أى من وصف طبقة الأغنياء ثم الطبقة الوسطى ثم طبقة الفقراء، وعند معالجته لكل طبقة على حدة التزم بالتسلسل التاريخى» لمسار الطبقة الاجتماعى وحركته فى المجالات المختلفة. كما تناول طرق الطبقات المختلفة فى التنشئة والتربية والارتباط وطبيعة العلاقات البينية أفقيا ورأسيا. أى فى داخل كل طبقة أو بينها.

(2)

أما من جهة تناوله لمفهوم الطبقة. فيقول مجدى عبدالحافظ إن محمد عمر قد اعتمد فى تقسيمه الطبقى للجسم الاجتماعى المصرى على فهم مُبسط يعتمد على «الناحية الاقتصادية المالية». فالطبقة العليا لدى محمد رفعت تضم «الذين يأتى لهم رزقهم «عفوا» من أطيانهم أو من مرتباتهم أو من أوقاف آبائهم ومتروكات مورثيهم»... أما الطبقة الوسطى، فيطلق عليها، بداية «أواسط الأمة المصرية»، الذين يعملون، أى يقدمون ثمرات أعمالهم فى المجالات المختلفة العملية منها والعلمية. «فهم الذين يشتغلون لنفع الأمة بالأعمال كالتجارة والزراعة والصناعة. كما أنهم من يشتغل بالعلم والتأليف، والاستخدام (يعنى الموظفين) وغير ذلك».

أما الفقراء فيصفهم بقوله: «من الوجه الاجتماعى هم الأمة كلها».

ويضيف: «ومن الوجه الأدبى هم مظهر البلاد.

ومن الوجه المادى هم معاملتها وعملتها الدارجة.

ومن الوجه المعنوى هم سمعها وبصرها وعصبها الحساس.

ومن الوجه المدنى هم سورها المحيط بها».

وأظن أن الوصف الذى قدمه محمد رفعت للفقراء بأسلوب أدبى يعكس مدى إحساسه وإدراكه كيف أن القاعدة الاجتماعية للمجتمع تعد المرآة الحقيقية لتقدمه أو تأخره.

(3)

وحول العلاقة بين الأغنياء والفقراء يشير إلى ضرورة ألا «تنبنى على الشفقة والرحمة فقط، بل على الواجب أيضا». وكأنه يلفت النظر إلى واقعنا الراهن أن «الخيرية» و«الإغاثة» لا ينبغى أن تحكم موقفنا من الفقراء. وعن استخدامه لتعبير «فقط»، فإنما يعنى ذلك أنه ليس ضد ما سبق من حيث المبدأ. ولكن لا ينبغى أن يقتصر الأمر على ذلك. وعليه لابد أن يتبلور نظام اجتماعى لتأمين حياة أفضل لهؤلاء الفقراء من خلال اختيارات سياسية وسياسات تنفيذية ملائمة. وهذا ما قصده بكلمة «واجب»... والدليل على ذلك أنه استحضر حالة مساكن الفقراء وما تعانى منه من «أسقام وقذارة». فيقول: «من الغريب فى أغنياء مصر أنهم يجاورون هذه المساكن بقصورهم المُشيدة وينظرون كل ساعة للفقراء وهم بهذه الحالة ولا تأخذهم رحمة بهم، كأن هؤلاء ليسوا من لحم سكان القصور ودمهم. أو بالحرى كأن قد عدمت الإنسانية منهم فهم لا يتأثرون. ولو علموا الواجب لبنوا للفقراء مساكن صغيرة صحية...».

(4)

ولا يتعامل المؤلف مع الفقر باعتباره «قدرا»؛ فيقول على سبيل المثال لا الحصر عن تعليم أولاد الفقراء: «كم من صبى ولد فقيرا لا ذنب له فى قلة تربيته وتعليمه إلا الفقر الذى نشأ فيه، إذ كان قد وهب النباهة والإدراك فقد أهملت فيه هذه المواهب. وإن لم يكن وهبها فهو لم يستعض عنها بشىء من العلم. ترى ذلك بلا مشقة فى الأمة المصرية الفقيرة حال مرورك فى الشوارع بين أبناء أمتنا المهملين تربية وتعليما، ولقد أنبأنا التاريخ أن كثيرا من الفقراء الذين لم يفُتهم حظ العلم قد شبوا نافعين لأمتهم ووطنهم وخدموا بلادهم الخِدم الجليلة. كما ينبئنا البحث أن العقل يبدو كزهرة صغيرة فأما وسائط تنمو بها وتكبر ويضوع عبيرها. وأما إهمال تضعف به فتذبل وتسقط إلى الحضيض»... ونواصل..


طباعة   البريد الإلكتروني
0
0
0
s2smodern