كتاب الأخلاق لأحمد أمين

الأخلاق مبحث أساسى فى الفكر الإنسانى. وقد ظلت تحظى بالاهتمام من حقول معرفية متعددة مثل: الفلسفة، وعلم النفس، وعلم الاجتماع. ولم يقتصر الاهتمام بالأخلاق على العلوم الإنسانية فقط، بل حرصت العلوم الطبيعية على أن يكون لها ما يعرف بـ«المواثيق الأخلاقية» Code of Ethics، تحكم التجارب العلمية، وممارسة المهن. إلا أن التجربة الشمولية بطبعاتها: النازية، والدولتية الاشتراكية، والشعبوية القديمة التى تتسم بالزعيم الكاريزماتى، والعنصرية قد حطمت وحاصرت وخدعت مواطنيها وعاملتهم كرعايا تابعين. كذلك الطبعة الشرسة من الرأسمالية أو الليبرالية الجديدة التى سادت منذ سنة 1979 قد جعلت من الحياة الإنسانية «سوق»، ومن القيم الأخلاقية «سلع».. والنتيجة، أنه فى الحالتين: الشمولية والرأسمالية الجامحة، انتزعتا روح الإنسان. ما جعل موازين القيم الأخلاقية فى اختلال.

(2)

المفارقة أن بلادنا كانت الأكثر تضررا من جراء ذلك فى الكثير من الأمور. ولعل تراجع منظومة القيم الأخلاقية هو الضرر الأكثر فداحة. بالرغم من التزيد الدينى الذى يثبت يوما بعد يوم أنه بات شكليا. والمفارقة أن دول المنشأ للرأسمالية الجامحة بما تضم من تيارات وحركات قد نجحت فى إبقاء ضميره الإنسانى قلقا على ما يحدث للإنسانية من تداعيات. لذا ظل مبحث الأخلاق موضع الاجتهاد والإبداع فى محاولة لتحصين مواطن هذه الدول تجاه الوثنيات الجديدة والمستجدة. وإكسابه المقاومة المطلوبة لدعم المجتمع السوى (راجع مقالنا السابق).. فى هذا المقام وقع فى يدى- الأيام الماضية- كتاب «كتاب الأخلاق» للمفكر والمؤرخ والأديب واللغوى الكبير أحمد أمين العملاق (1886 ـــ 1954). عميد كلية الآداب ومؤسس الجامعة الشعبية. (صاحب فجر وضحى وظهر الإسلام، والنقد الأدبى، وفيض الخاطر،... ،إلخ). وسعدت به ووجدت حرصا على توفر هذه النوعية من الكتابات التى تخلق حالة مرجعية للسلوك السليم وما ينبغى أن يكون عليه.. من المهم استعادتها وإبداع غيرها.

(3)

قدم أحمد أمين كتاب الأخلاق فى سبتمبر 1929 بالكلمات التالية: «الغرض من هذا الكتاب أن يكون مرشدا للطلبة فى حياتهم الأخلاقية، يلفتهم إلى نفوسهم، ويبين لهم أهم نظريات الأخلاق، ويوسع نظرهم فيما يعرض عليهم من الأعمال اليومية، ويشحذ إرادتهم لتأدية الواجب واكتساب الفضيلة».. أراد الكاتب أن يؤسس لمنظومة أخلاقية متكاملة على المستويين الفكرى والعملى. منظومة؛ بمثابة بوصلة تحكم حياة «الطلبة» على المستوى النفسى، والعلائقى أى فى علاقتهم ببعضهم ببعض وبالأجيال الأخرى، وتقيم ما تمتد له أيديهم من جهود، وما يقومون به من أعمال.. ما يضمن لهم حياة ملؤها الفضيلة..

(4)

النص مكتوب بلغة عربية بديعة ورشيقة. وبمنهجية محكمة نجده يقارب موضوعا «صعبا» بتناول متدرج ومنطقى وسلس.. يقع الكتاب فى ثمانية فصول (174 صفحة من القطع المتوسط) كما يلى: أولا: علم الأخلاق: ماهيته وموضوعه، ومفهوم المسؤولية الأخلاقية. ثانيا: الضمير: وعلاقته بالإرادة. وكيفية تربية الضمير. ثالثا: الحكم الأخلاقى: مقياسه، وكيفية تربيته. رابعا: مذاهب علم الأخلاق ونظرياته. خامسا: الفرد والمجتمع، وقيمتا الخير والشر، وماهية المثل الأعلى. سادسا: قضيتا الحق والواجب: معناهما، وأساسهما. وخصص الفصل السابع للواجب: معناه وأقسامه وأدائه. ثامنا: الفضيلة: معناها، ومقاربة لأهمها: الصدق، والشجاعة، والاعتدال، والعفة وضبط النفس، والعدل، والاعتماد على النفس، والطاعة، والانتفاع بالزمن، والتعاون.

(5)

راعى المؤلف فى مؤلفه «الجهة العملية». فكان حريصا على أن يعقب المقدمات النظرية أمثلة عملية تيسر على القارئ. ويكون من شأنها ترقية الإنسان. ذلك لأن الإنسان قابل للترقى واكتساب الفضائل شريطة الدأب على محاسبة النفس وامتلاك الإرادة القوية القادرة على توجيه الذات فى طريق الترقى.. نشير إلى أن مقاربة المؤلف للقسم الخاص بالحق والواجب جدير أن نقدمه تفصيلا فى وقت لاحق من منظور المواطنة. كما أن المؤلف يثير جدلا حول المساواة عميقاً ومهم.

(6)

يبقى أن نقول: لماذا لا نجد أى أثر لهذا النص ولغيره من النصوص المعتبرة لمفكرينا من مختلف الأجيال فى مناهج التعليم.. ونزيد فنقول إن الطبعة الجديدة من الكتاب والصادرة هذا الشهر صدرت عن دورية خليجية تصدر كتابا شهريا فى طبعة أنيقة. أصدرت 75 كتابا. ثلث ما صدر هو إعادة طبع لاجتهادات مصرية لمحمد عبده وسلامة موسى وعلى عبدالرازق وإسماعيل مظهر وطه حسين والعقاد وتوفيق الحكيم ونجيب محفوظ.


طباعة   البريد الإلكتروني
0
0
0
s2smodern