«سلسال الإبداع» (11) نبيل كامل مرقس: المثقف التنموى (2)

شكلت الخبرات المتعاقبة المتنوعة لنبيل كامل مرقس رصيداً ثقافياً عميقاً، فكراً وممارسة، فى كيفية إحداث تغيير فى بنية المجتمع المصرى يقوم على رؤية تنموية شاملة. حيث لا يمكن أن يحدث التغيير المرجو ما لم تكن هناك رؤية حاكمة له. والأهم هو أن يحمل «المُنمى» (القائم بالعملية التنموية) رؤيته الثقافية التنموية للتنفيذ عبر ما أطلق عليه: «نهج الحوار الثقافى الحى الخلاق». حيث يؤمن نبيل مرقس بأن العملية التنموية المؤثرة فى حياة الناس هى التى تتم عبر التفاعل بين من يقومون بالعملية التنموية وأصحاب المصلحة من المواطنين..

فالتنمية الحقيقية لا تقوم على «العلاقة القسرية أو الجبرية بين خبير يأتى ليبنى ويمهد الطرق وينظم حياة المواطنين دون فهم أو إدراك لواقعهم أو على خلاف رؤيتهم هم- كأصحاب مصلحة (وأدرى بواقعهم)- وإنما على علاقة حوار وتفهم وتواصل بينه والمواطنين، باعتبارهم كيانات إنسانية مستقلة وفاعلة ولها حق صنع الحياة». ما يضمن الاستمرارية، أو بلغة مؤسسات التنمية «الاستدامة» للعمليات التنموية المتنوعة.

(2)

هذا هو «المثقف التنموى»، الذى يتسم بما يلى.. أولاً: تجاوز مشروعه الثقافى الفردى ليلتحم بمشروع الناس. وثانياً: يصبح مهموماً بهموم الناس ومحترماً لها ومدركاً أسبابها الموضوعية والعلمية. وثالثاً: يثق أن لدى الناس إمكانيات قابلة للانطلاق والإبداع. وما على المثقف التنموى إلا أن يخلق المساحات الحرة مــن أجل تفعيلها، عبر «الحوار الثقافى الحى الخلاق».

(3)

هذه هى خلاصة رؤية نبيل مرقس التى اكتسبها عبر خبرات ثرية وعظيمة من عمله فى مشروع كهربة الريف، مع كوكبة هندسية ذات حس اجتماعى وهندسى رفيع المستوى أعلت من قيمة الصالح العام، فتعاملت مع المشروعات العامة من منظور وطنى وليس باعتبارها سبوبة مقاولات، ومن قيامه- مع آخرين- بدور مجيد وتاريخى فى إطار العسكرية المصرية أثناء حرب الاستنزاف فى بناء قواعد الصواريخ ورؤوس كبارى العبور، وبعثته إلى كل من روسيا وإنجلترا وحصوله على ماجستير فى «بناء وتنظيم العلم والتكنولوجيا» من جامعة مانشستر 1981، ودراساته الميدانية عن «النوبة ومنطقة إسكان محيى».. ما دفعه فى عام 1985 إلى أن يتخذ قراراً حاسماً مفاده أن مكان «المثقف التنموى» الحقيقى يكون مع الناس وبينهم. فترك عمله فى معهد التخطيط، وعمل بإحدى الهيئات التنموية التى كانت تعمل بالقرى المصرية آنذاك. وهو المكان الذى تعرفت فيه على نبيل عندما التحقت بالهيئة بعده بسنة. ومنذ 1986 لم نفترق، حيث تعلمت منه الكثير ليس فقط فى مجال التنمية، ولكن فى الكثير من المجالات. وهكذا كان حال كل من اقترب من نبيل مرقس. فلديه من الحصيلة المعرفية والعملية، واطلاع على جديد الفكر، ما يؤهله لأن يدلى بدلوه فى الكثير من القضايا. أخذاً فى الاعتبار أنه يقدم هذه المعرفة بتواضع، ودون أن يضن بها على أحد، ودون ادعاء متحرراً من الصنميات الفكرية.. وقد شرفت أن تشاركنا فى الكثير من النشاطات العامــــــــة والحوارات الوطنية المتعددة والتى تستحق أن توثق.

(4)

وأشهد أنه دوماً يبذل أقصى ما فى وسعه كى ينفذ عملياً ما يؤمن به نظرياً. وعلى مستوى الممارسة التنموية فنحن أمام نموذج لا أبالغ إذا قلت «استشهادى»، أى أنه لا يمكن أن يتوقف عن العمل مهما كانت الظروف- فى كثير من الأحيان على حساب صحته- طالما هناك حاجة تستدعى ذلك. حيث يصرف وقتاً ممتداً فى العمل بين الناس محاوراً ومنصتاً لهمومهم وتطلعاتهم بتواضع حقيقى متحملاً الكثير من الظروف القاسية. لذا تستمر علاقته بالناس حتى بعد انتهاء العمل.. يعبر نبيل كامل مرقس عن نموذج «المثقف التنموى» (العضوى) بحق، وعن يقين، أنه هكذا يجب أن يكون «المثقف التنموى» أو «العضوى».. وأكثر ما يضايقه- من منطلق الخوف على المصلحة العامة التى حكمت مسيرته- هو الصعود غير المبرر لغير المؤهلين أو لمن لا يعلون من قيمة الصالح العام.. شأن من ينتمى لسلسال الإبداع.


طباعة   البريد الإلكتروني
0
0
0
s2smodern