بعد أن تشرفنا بالاقتراب من إبداعات شيخ الجغرافيين محمد رياض (4 حلقات)، وخبير الصناعة الوطنية المثقف الكبير على رياض (حلقتان)، والمفكر الكبير المستشار عادل غنيم (حلقة). نقدم اليوم مُبدعا فضّل أن يبتعد عن السياسة وأن ينهض بالحقل القانونى المصرى على خطى الكبار من القانونيين المصريين: فهمى، وسليمان مرقص، والسنهورى، وتوفيق شحاتة،.. إلخ. وإن لم يمنعه هذا أن يطل من حين لآخر ليدلى بدلوه في الشأن السياسى عندما يشعر أن الوطن في حاجة إلى «كلمة عدل».. إنه الأستاذ الدكتور سمير عبدالسيد تناغو، أستاذ القانون المدنى بجامعة الإسكندرية.
(2)
عرفت عن الدكتور سمير وعن أهميته القانونية من أستاذى الدكتور وليم سليمان قلادة منتصف التسعينيات عندما رأيت مجلدا كبيرا عن «أحكام الأسرة: للمصريين غير المسلمين». ولفت نظرى تحرر النص من تعبير «الأحوال الشخصية» الشائع والسائد لدى قطاعات كثيرة نافذة دينية وقانونية/ بيروقراطية للأسف. وبالطبع المسألة لم تكن مجرد «مفردة» مغايرة. بقدر ما أنها تعكس موقفا يعى أن الأقباط في الدولة الحديثة صاروا «مواطنين» لهم حقوق المواطنة شأنهم شأن باقى المصريين من المسلمين وليسوا: «أهل ذمة» بالمعنى الدينى ومن ثم تقسيم المجتمع على أساس دينى. كذلك ليسوا «طائفة» (ملة) بالمعنى العثمانى والذى يقسم المجتمع لطوائف وجماعات فرعية.. وفى ضوء هذا التمييز الدقيق وضع تصوره عن «أحكام الأسرة». وفى هذا المقام أرسل له الفقيه الدستورى الكبير عبدالرازق السنهورى خطابا (عام 1967) مشيدا باجتهاد «تناغو» عن تجاوز مصطلح «الأحوال الشخصية». حيث اعتبره (تناغو) من «مخلفات الامتيازات الأجنبية وتعدد جهات القضاء». فهو مصطلح «لم يعد له مجاله الأول، فهو لا يرجع إلى طبائع العلاقات القانونية..».. وقد استطاع مبدعنا أن ينجز جهدا عمليا يصب في اتجاه دعم المواطنة في عديد من المجالات لكل المصريين في إطار الدولة الحديثة.
(3)
بعد، كنا على تواصل مستمر عبر الهاتف الأرضى، حيث إنه كان ممتنعا لوقت قريب جدا عن استخدام المحمول، إلا أننى كنت دائم تذكره في كل محفل علمى أو ثقافى فيما يتعلق ببعض الأمور التي تتعلق بالمبادئ الدستورية ذات الصلة بمبدأ المواطنة. وكنت دائم الضيق من عدم الاستعانة به في الملفات التي اجتهد فيها القانونى الكبير تناغو. وفى هذا السياق لابد من ذكر اجتهاده المهم في تعليقه على المادة: 219 التي كانت مقترحة من قبل التيار السلفى في دستور 2012 والتى قبل بها البعض في ظروف ملتبسة سوف تعرف تفاصيلها يوما ما. وكذلك على المادة الثالثة من الدستور التي اقترحت في دستور 2012 وبقيت في دستور 2014. فلقد قدم بالإضافة لملاحظاته المباشرة عن مفهوم: «المصدر في القانون». التي أفصحت عن رؤيته المعرفية الواسعة «لفلسفة النظرية العامة للقانون» واجتهاده الموسع في هذا الحقل المعرفى في عمله: «النظرية العامة للقانون» والذى يعكس ثقافة موسوعية في مجالات التاريخ وعلم الاجتماع القانونى.
(4)
لم يقتصر جهده عند ذلك بل قارب مجالات عديدة ومتنوعة منها: «مصادر الالتزام». و«التأمينات الشخصية والعينية: الكفالة، الرهن الرسمى، حق الاختصاص، الرهن الحيازى، حقوق الامتياز». و«عقد الإيجار». «القرار مصدر للحق». و«النظرية العامة في الإثبات». و«القانون الزراعى: شرح قانون الإصلاح الزراعى والقوانين المعدلة له والقوانين المتعلقة به».. وتعد مؤلفاته مراجع مهمة وتتضمن إضافات مهمة في القانون واجتهادات معتبرة أنجزها بدأب وهدوء بعيدا عن صخب العاصمة وعن تعقيدات السياسة والإدارة منذ عقود، كما أشار بذلك في الحديث المتميز الذي أدلى به للصحفى المخضرم الأستاذ مصباح قطب، الذي نجح في أن يخترق عزلة العالم الكبير والذى أعده واحدا من «سلسال الإبداع» المصرى.