«سلسال الإبداع».. (4): الدكتور محمد رياض: الصناعة والسياحة والخدمات

نواصل مع عالمنا الجليل شيخ الجغرافيين الدكتور محمد رياض تقديم رؤيته المستقبلية لاقتصاديات المجتمع المصرى (دار الفكر العربى- 2016). حيث يعدد النتائج المحتملة من الانتقال من الريف النمطى إلى الريف الحضرى كما يلى: أولا: تخفيف سقف العمل الزراعى. ثانيا: استقطاب أيد عاملة، ما يخفف الفقر ويقلل البطالة. ثالثا: التوجه إلى زراعة محاصيل محددة للتعامل الصناعى. رابعا: إنشاء وساطات متعددة فى النقل والادخار وخدمات مجتمعية أخرى... وفى المجمل سوف تحدث تنمية حقيقية تعبر من خلالها المجتمعات الريفية القديمة نمطيتها إلى ريف حضرى متعدد الأنشطة وخالٍ من التخلف والجهل.

(2)

ما يخلص إليه الدكتور محمد رياض يقوم على دراسة تفصيلية مقارنة مدعمة بالأرقام والجداول والإحصائيات والرسومات التوضيحية والدراسات الميدانية فى الصعيد وبحرى. ومعالجة الكثير من القضايا التى تتعلق: بتقنيات الزراعة، ودورة رأس المال، والنمو السكنى، ومشاكل التربة الزراعية المصرية المتراكمة عبر العصور، والمياه الجوفية، والنمط المحصولى، والحد الاقتصادى للحيازة الزراعية، وتكوين رأس المال الاستثمارى، والقوانين المنظمة للعمال الزراعيين... إلخ.

(3)

وفى ضوء ما سبق، يطرح العالم المخضرم تصورا «لمخطط ومكونات القرية» الحضرية الجديدة. فالقرية المصرية القديمة النمطية ظلت نموذجا مطابقا للقرية فى العصور الفرعونية إلى أقل من نصف قرن مضى من حيث «مورفولوجيتها» ومخططها العام لأسباب اقتصادية واجتماعية وثقافية. ولكن بدأ الوضع يتغير ببطء ما يلزم تغيير «وظيفة السكن، وتزايد الأنشطة النوعية، والخدمات العامة... إلخ»، كما يطرح أيضا الدكتور رياض سياسات زراعية تتناسب مع الرؤية التنموية الشاملة المطروحة.. وهو أمر لن يتم ما لم تحدث تغييرات جذرية فى بنية الريف المصرى الذى ظل على حاله قرونا ممتدة. ما يمكّن من إعداد المجتمع للصناعة والخدمات والسياحة.

(4)

وبعد أن يرصد الدكتور رياض مسيرة الصناعة فى مصر منذ القدم إلى قيامها الحديث مطلع القرن التاسع عشر، يرصد موارد مصر من الخامات المعدنية الصناعية وخامات الطاقة تفصيلا. ويصنف أهميتها وقيمتها وما يجب العناية به واعتباره رصيدا مستقبليا يمكن توظيفه فى احتياجات الإنتاج والتنمية. ويشير إلى أهمية الطاقة الشمسية كبديل للمحطات الحرارية.

(5)

ويقدم عالمنا الجليل ملاحظات معتبرة تتعلق بالخريطة الصناعية الراهنة من حيث تمحورها حول القاهرة، فالدلتا، وأخيرا الصعيد. حيث تحظى القاهرة الكبرى بـ81% من المصانع، والصعيد بـ1% من المصانع، ومن حيث نوعية الصناعات وتوزيعها، وضخ استثمارات فى مناطق تتهددها أخطار بيئية. وعليه يطرح ما يلى: أولا: ضرورة إعادة النظر فى هذه الخريطة. ثانيا: التوجه فى الاستثمار فيما أطلق عليه الصناعات الجديدة. ثالثا: الربط بين مناطق الخامات ومراكز الصناعة. رابعا: إعادة تقييم المناطق الصناعية الراهنة وما تعانيه من مشكلات. خامسا: إعادة الاعتبار لبعض الصناعات التاريخية، مثل الغزل والنسيج كصناعة تصديرية قادرة على استيعاب عمالة كثيفة.. ولا يمانع من انتقال العاصمة الإدارية، شريطة أن تتحقق اللامركزية فعليا، ويحذر من التحامها بالقاهرة القديمة.. ويعدد الدكتور رياض الكثير والكثير من الملاحظات التى يجب الانتباه إليها.

(6)

نحن أمام رؤية/ وثيقة تنطلق من معرفة جيدة بالواقع المصرى بأبعاده الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والطبيعية. رؤية مُبدعة وثرية قادرة على تأسيس مجتمع ريفى جديد حضرى وعصرى يتسم بالشمول التنموى والتجديد البنيوى، خاصة أن المجتمع الريفى يضم ما يقرب من نصف سكان مصر، ومن ثَمَّ ضرورة الانتباه إلى احتياجاتهم والاستجابة المبدعة لتغيير واقعهم.. ما يُمكّن من الانطلاق فى مجالات صناعية جديدة منتشرة فى كل أقاليم مصر.. شريطة أن تكون السياحة واحدة من مكونات هذه الصناعة وليست نشاطا مستقلا.

وأخيرا، الخدمات التقنية العصرية التى تتوافق مع ما يُعرف باقتصاد المعرفة. تحية للعالم الجليل الدكتور محمد رياض على رؤيته العميقة والثرية التى أدعو إلى النقاش حولها على أوسع نطاق.. إنها رؤية/ وثيقة تعبر عن واحد من إبداعات «سلسال الإبداع» المصرى الذى لا ينقطع.


طباعة   البريد الإلكتروني
0
0
0
s2smodern