نواصل مع الدكتور محمد رياض (90 عاما)، شيخ الجغرافيين، إبداعه الكبير فى تقديم تصور تنموى شامل لمصر. وذلك من خلال مجلده: «اقتصاديات المجتمع المصرى: رؤية مستقبلية ـــ 2016». حيث يتجاوز المدخل التكنوقراطى/البيروقراطى الكمى إلى المقاربة الموسوعية الشاملة متعددة الأبعاد والتى تقوم على الربط بين: الطبيعة، والاقتصاد، والبشر، والسياسة. وتبدأ رؤيته بالتعاطى مع قضيتى: شُح المياه وبؤس الزراعة بمقاربة تاريخية وتقنية واقتصادية للقضيتين. ثم يضع تصورا تنمويا شاملا يربط بين الزراعة والصناعة وتنمية المجتمعات فى ضوء الإمكانيات المصرية.
(2)
ويخصص الفصل الثالث من مجلده البالغ 400 صفحة «لقضايا الريف ومشكلات الزراعة المصرية«. ويفصل المشكلات بتصنيفها إلى أولا: عمليات. وثانيا: متغيرات بشرية. وثالثا: متغيرات فيزيقية. فيرصد بالنسبة للعمليات ما يلى: تدهور الحيازة، البطالة والتأهيل المهنى، وفشل السياسات الزراعية، وتراجع الريف. أما المتغيرات البشرية فيرصد ظاهرة النمو السكانى المطردة والعالية والتى تؤدى إلى الهجرة إلى عشوائيات المدن. أما ما يتعلق بالمتغيرات الفيزيقية فيرصد الآتى: محدودية الحيز الأرضى القابل للاستصلاح، والمصدر المائى المحدود، والإشكاليات المتعلقة بالتربة والمياه الجوفية.
(3)
فى هذا السياق، يطرح الدكتور رياض مقترحا »لنقلة اقتصادية اجتماعية للريف المصرى«؛ يوجزه فى الآتى: »حان الوقت لندرك معرفيا أن الريف المصرى يمر بمرحلة انتقال من ريف نمطى إلى ريف حضرى، يحتاج الموضوع إلى دراسات حالة فى أماكن مختلفة فى الدلتا والوادى، حيث إن اختلاف النسيج الاجتماعى يدعونا للتعرف على الأوضاع المعيشية ورغبات الناس واحتياجاتهم ومساعدتهم على اجتياز أزمة الانتقال إلى مرحلة جديدة وتأهيل مهنى آخر؟. فالمسألة ليست فقط معالجة المشكلة بتشجيع الهجرة إلى أراضى الاستصلاح الجديدة خارج الوادى والدلتا، فهذا حل جزئى جيد إذا أمكن حُسن توجيهه. وإنما المشكلة بالأساس معالجة هذه الكتلة السكانية الضخمة فى الريف المصرى الحالى التى ستبقى بعد هجرة بعضهم. وعلى الأغلب فإن تنمية الصناعات الزراعية داخل الوادى والدلتا تصبح عاملا مساعدا للتغلب على المأزق الحالى، على ألا تكون الصناعات على نمط القلاع الضخمة المتمركزة فى نقاط محدودة كالمحلة الكبرى أو كفر الدوار أو حلوان ــ التبين، بل الإكثار من نمط عزب صناعية لصناعات متوسطة التقنية متعددة التخصصات لكى تستوعب عمالة بشرية متوسطة التأهيل لتجهيز أو نصف تصنيع لمحصول زراعى صناعى أو معدنى«. ويلفت النظر عالمنا الجليل إلى ضرورة أن يكون ما سبق »مرحلة أولية تستمر وتنمو كصناعات كاملة. تُبنى هذه العزب خارج المعمور الزراعى على الأراضى البور فى الدلتا أو على رحابة الحاجز الصحراوى حول وادى الصعيد. وهى لا تحتاج إلى رساميل كبيرة ونتائجها كثيرة«.