(1)
تعد مباريات كأس العالم لكرة القدم أكثر وأكبر حدث رياضى يتكرر كل أربع سنوات. كأس العالم فعالية متعددة الأبعاد. فعالية تعكس ثقافات الشعوب، واجتهادات الدول فى ابتكار أحدث معمار هندسى فى بناء «الاستادات»، كذلك أفضل تخطيط عمرانى لمدن الدولة المضيفة للمونديال تيسر على القادمين: من فرق رياضية (32 فريقا) بأطقمها الفنية والطبية والإدارية، وإعلاميين، وشخصيات عامة، وشركات راعية… إلخ. فى هذا السياق، يمكن القول إن الحدث الذى يتم كل أربع سنوات قد تجاوز كونه شأنا رياضيا، إلى حالة كونية اقتصادية وثقافية وتقنية، تحمل الكثير من الدروس المستفادة.
(2)
ولا يختلف أحد على أن كأس هذا العام قد عكس تقدما فى كثير من المجالات. كما عكس صعودا لافتا لكثير من الدول على المستوى الكروى من حيث تكنيكات اللعبة مثل: كوستاريكا، وتشيلى، وكولومبيا.. صعودا يعبر عن مدى صعودهم العام فى شتى المجالات: اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا، وهو ما يمكن أن نتحدث عنه تفصيلا فى مقال لاحق.. حيث يهمنا فى هذا المقام أن نشير إلى خروج البرازيل عن هذه القاعدة فى دورة كأس العالم التى تقام على أرضها وكانت كل التوقعات تقول إنها ستفوز بها، ولكن أتت الرياح بما لا تشتهى السفن.. لماذا؟
(3)
ظنى أنه بالرغم من التقدم الذى أنجزته البرازيل فى العديد من المجالات، بداية من مشروع الجينوم الوراثى وصناعات السلاح والدواء والتقنيات المتقدمة.. إلا أنها تعاملت مع فريقها لكرة القدم بمنطق لا علمى.. على طريقة أى 11 لاعبا قادرون على تحقيق الفوز.. البرازيل التى بلغت من العلم والمعرفة الكثير وأصبحت دولة فاعلة فى المنظومة الكونية وعضوا بارزا فى مجموعة «البريكس»، تعاملت مع فريق كرة القدم تحديدا دون ما سبق كثيرا.. نعم التشكيل جديد، ولكن الخطة قديمة، أو بالأحرى لا توجد خطة ميزت الفريق على مدى مبارياته فى البطولة.. وعلى الرغم من وجود مدير فنى بارز وإلى جواره مستشارون كبار مثل كارلوس ألبرتو بيريرا إلا أن الفريق كان يلعب بالحماس وعلى طريقة ما نردده هنا روح الفانلة الحمراء أو الزرقاء أو الصفراء، وأن تشجيع الجماهير سوف يعوض أى نقص فى الفريق، أو التحفيز على طريقة: «ربنا معاكم يا أولاد، وخطتنا النهارده هجوم»، دون أى إعداد أو تدريب على أسس علمية.. وعليه كانت النتائج كما شاهدناها من المباراة الأولى إلى الخروج «الفضيحة» لفريق البرازيل.. وأظن هذا هو الدرس الأول الكبير فى هذه البطولة.
(4)
خلاصة هذا الدرس أن زمن «الفهلوة» قد انتهى، وأن العلم والمعرفة والتخطيط المبتكر ضرورات لأى رغبة فى الإنجاز.. الموهبة وحدها لا تكفى لتحقيق الإنجازات، والتاريخ مهما كان رصيده عاليا وثمينا لا يضمن الحاضر والمستقبل إذا تعاطينا معهما بالماضى الذى كان، لأن «الإخفاق» سيكون كبيرا.. وأن أى 11 لاعبا يمكن أن يفوزوا بروح الفانلة البرتقالى، والتاريخ شاهد على الهيمنة الكروية.. أظنه لم يعد كافيا، ومن ثم «تغيير الوجوه مع بقاء الفكر كما هو» لم يعد يعنى شيئا.. إن معرفة الـKnow How، عملية مركبة تحتاج إلى رؤى وتصورات وخطط وتجارب لذا تراوحت الفرق فى إنجازاتها… ونتابع.