المواطنون الأقباط والانتخابات.. (1)

يقول العظيم نجيب محفوظ فى رواية السكرية من الثلاثية على لسان أحد أبطاله: «… مشكلة الأقباط… هى مشكلة الشعب، إذا اضطهد اضطهدنا وإذا تحرر تحررنا…».

(1)

تحكم هذه العبارة نقطة انطلاقنا للشأن القبطى، أى أن ما يحدث لعموم المصريين ينعكس على الأقباط إيجاباً أو سلبا، فى الوقت نفسه، تشير العبارة، إلى أنه لن يتحقق أى خلاص للأقباط بمعزل عن عموم المصريين، لأنه فى هذه الحالة يكون ما يحصل عليه الأقباط امتيازات وليس حقوقاً، لذا ليس صدفة أن نجد أن المشاكل التى يتعرض لها الأقباط فى حياتهم اليومية أو المشاكل التى نطلق عليها ذات الطابع المدنى تحدث بالأكثر كلما اتجهنا إلى أسفل فى الجسم الاجتماعى المصرى، أى الطبقات والشرائح الوسطى والدنيا، وفى الأماكن الأقل نموا، وهو ما دعانا مرة إلى أن ندرس (راجع دراسة قدمت إلى مركز تاريخ الأهرام بعنوان العلاقات المسيحية الإسلامية قبل وبعد الدولة الحديثة فى مصر- فبراير 2010، جار تطويرها وتشمل سجلا كاملا بأحداث التوتر الدينى فى مصر مع معالجة تصنيفية لكل حدث) ما أطلقنا عليه:

«سوسيولوجيا» و«جغرافيا» التوتر الدينى.

(2)

والعالم بهذا الملف يدرك مدى الدقة التى يجب أن يتم فيها تداول هذا الملف. لذا نقول «الشأن» وليس المسألة لما لها من دلالات استعمارية، وظفت فيها هذه العبارة، كذلك من الأهمية بمكان فى لحظة اختلطت فيها الأوراق أن يتم تحديد المقاربة المناسبة لهذا الموضوع.. وأقصد هل يتم الاقتراب من زاوية أن الأقباط «مواطنون» ومنخرطون فى الجسم الاجتماعى لمصر، راجع كتابنا الحماية والعقاب ـ 2000، أم هم:

«أقلية» دينية ذات مطالب سياسية. (أو ما وصفه الراحل محمد السيد سعيد «اصطناع الأقلية» ورصدناه مبكرا بالحالة «الأقلوية» فى كتابنا الحماية والعقاب).

أم «ملة» يربط بين أعضائها الدين. (أو ما وصفناه «باختراع الملة»).

(3)

هذا التحديد أو المقاربة للأقباط يعد مهماً جداً، لأنه وفقا لهذا التحديد سوف يتحدد رد الفعل والحركة المطلوبة. وللتبسيط نقول فى حالة الانتخابات هل يتحرك الأقباط كمواطنين، لكل منهم رؤيته السياسية وبرنامجه الانتخابى، وهو ما نطلق عليه الحالة المواطنية. أم يتحركون كأقلية دينية فى مواجهة أغلبية دينية وهى ما أطلقنا عليها الحالة «الأقلوية»، أم يتحركون «كملة»، شأنهم شأن العشيرة أو العائلة الممتدة فى الريف، وهو تحرك يكون مستقلاً عن حركة الجماعة السياسية، فالمهم فى هذه الحالة مصلحة العشيرة أو الملة أو بلغة أخرى مصلحة الأشكال التنظيمية الأولى (الجماعات الأولية) السابقة على الدولة الحديثة، أخذاً فى الاعتبار أن كل تحرك مما سبق لا يتم ما لم يكن السياق يشجع على ذلك، أى أنه ليس خيارا قبطيا محضا، فكل الأطراف الأخرى (الدولة، الإسلام السياسى، الأحزاب والتيارات السياسية، رجال الأعمال، الكتل المتعدية الحدود…إلخ)، مسؤولة عن صناعة الظاهرة وهما أو حقيقة.

(4)

فى هذا السياق، وإذا ما أردنا تقييم الحضور القبطى فى الانتخابات العامة. لابد لنا أن ندرسه فى إطار التطور التاريخى منذ مجلس شورى النواب (1866) وإلى يومنا هذا. أى بداية من برلمان 1924 وإلى 2010، أخذا فى الاعتبار السياق السياسى والاقتصادى والتطور الديمقراطى، وفى القلب منه مسيرة المواطنة.وتقييم المشاركة السياسية للأقباط- خاصة منذ الثمانينيات وإلى الآن- وفق معايير سياسية لا دينية «أقلوية» أو «ملية». وكذلك التقييم الموضوعى للتعيين فى هذا الإطار وليس بمعزل عنه، وأيضا نوع الأداء السياسى للمرشحين من المصريين من الأقباط وطبيعة تحركهم على أرض الواقع.

(5)

وعلى الرغم من أننا تحدثنا عن هذا الأمر مرارا وتكرارا(مشاركة الشباب القبطى فى الحياة السياسية بين المحددات العامة والصعوبات الخاصة- 1994، والأقباط المواطنون والمشاركة فى العملية الانتخابية فى الدولة الحديثة- 2007) إلا أن الضرورة تفرض علينا أن نستعيد هذه الخلفية حتى ندرك طبيعة اللحظة التاريخية الحالية، خاصة أن المفارقة التى رصدناها هذه المرة لا تتعلق بأداء المشاركين من المصريين المسيحيين فى عملية انتخابية جرت فى سياق صعب وشائك، وإنما بردود الأفعال التى أعقبت التعيينات. فالقراءة المتأنية لمفردات الخطاب الذى عبر عنه كل من الصحفيين والمعلقين- من مختلف التوجهات- تعكس جوهر الإشكالية التى تتعلق بتناول ومقاربة الشأن القبطى كما أشرنا فى المقدمة.

وكيف تتم رؤية الأقباط من قبل الآخرين، وكيف يرى الأقباط أنفسهم: هل هم «مواطنون»، أم «ملة»، أم «أقلية سياسية/ دينية»؟ نستكمل الحديث الأسبوع القادم.

 

طباعة   البريد الإلكتروني
0
0
0
s2smodern