مستقبل الطبقة الوسطى: «الشراكة المزدوجة»

فى عبارات مكثفة، أوجز صديقى ما كتبت حول العلاقة بين الدولة والطبقة الوسطى… «الطبقة الوسطى ولدت من رحم الدولة الحديثة فى مصر من خلال ثلاثية :الضابط، والموظف، والتكنوقراط، عبر أركانها الثلاثة: الجيش الوطنى، والجهاز الإدارى، ومؤسسات الحداثة…

وأنها ظلت فى رعاية الدولة منذ محمد على إلى مطلع سبعينيات القرن الماضى عندما غير النظام السياسى، بوعى، قاعدته الاجتماعية، وإطلاقه قانون الانفتاح(وملحقاته) التى حيث فيما عرف بسياسات الليبرالية الجديدة بآثارها المجتمعية السلبية، ما أدى إلى حراك 25 يناير…، وعليه طرح صديقى ثلاثة أسئلة وذلك كما يلى:كيف تأثرت الطبقة الوسطى؟…الخطأ الذى وقعت فيه السلطة السياسية تجاهها؟… وماذا عن مستقبلها؟

أولا: عما أصاب الطبقة الوسطى؛ نقول إن الكلمتين المفتاحتين لما جرى للطبقة الوسطى هما: «الإقصاء والإفقار»؛ فلقد حدثت عملية مركبة من الإفقار والإقصاء لهذه الطبقة بمستوياتها الثلاثة. «إقصاء سياسى» للشريحة العليا من الطبقة الوسطى، و«إقصاء سياسى اقتصادى» للشريحتين المتوسطة والدنيا من الطبقة الوسطى.

يعود هذا التدهور إلى عوامل ثلاثة. «أولها هو انخفاض الأجور. وثانيها؛ فقدان فرص العمل وزيادة معدل البطالة. أما ثالثها فيعود إلى زيادة الأعباء المالية التى تتحملها هذه الطبقة». ولم تستطع نسبة النمو التى حدثت أن تحسن من أحوالهم لأنها فى واقع الأمر كان هناك توزيع غير عادل لها، فاُحتجزت فى أعلى الجسم الاجتماعى لمن وصفناهم بشبكة الامتيازات المغلقة»؛… كما ساهمت رؤية السلطة السياسية للطبقة الوسطى فى تعميق هذا الأمر… كيف؟

نحيل هنا إلى رؤية البرنامج الرئاسى الانتخابى الذى قُدم فى 2005، للطبقة الوسطى بأنهم: «المهندسون والأطباء والمدرسون والمحاسبون، والأسر التى يعمل الأب والأم فيها، والشباب الذين يعملون فى الأنشطة الاقتصادية والخدمية الحديثة: فى البنوك وتكنولوجيا المعلومات وأصحاب المشروعات والأعمال الصغيرة إلى العاملين فى الدرجات المتوسطة فى الجهاز الحكومى والكتاب والعاملين فى الصحافة والإعلام والأجهزة القضائية إلى شباب الأكاديميين».

اقتصر تعريف الطبقة الوسطى على الشريحة العليا منها، وتحديدا شريحة المهنيين دون ذكر للشريحتين الوسطى والدنيا. حيث دورها هو «التخديم» على شبكة الامتيازات المغلقة. فالمدرس أو المهندس أو الطبيب يقدم خدماته ومعرفته للقلة الثروية نظير مقابل دون أن يترتب على ذلك حضور سـياسـى للتعبير عن أنفسهم. أى اتاحة الاستفادة المالية دون الشراكة السياسية، أو ما وصفناه بالإقصاء السياسى. أما الشرائح المتوسطة والدنيا من الطبقة الوسطى فلقد تخلت الدولة عن تأمينهم وتركتهم للمبادرات الخيرية لتؤمن لهم احتياجاتهم فكان مصيرهم الإقصاء السياسى والإفقار معا.

ثانيا: أما عن خطأ السلطة السياسية تجاه ما جرى للطبقة الوسطى؛ فى الواقع، لم يلتفت النظام السياسى إلى مضمون الحركات الاحتجاجية بأنواعها الثلاثة:السياسية، والاقتصادية، والمجتمعية(نضع التوترات الدينية فى سياقها). حيث تكونت عناصر هذه الحركات ـ بالأساس ـ من الطبقة الوسطى بشرائحها الثلاث، وذلك بتداخل المطالب وتقاطعها. فالشريحة العليا من الطبقة الوسطى والتى تكون لديها فائض من المال باتت تبحث عن شراكة فى الثروة من خلال توسيع شبكة الامتيازات المغلقة لكى تسع عناصر جديدة من خارجها. وأبناء هذه الشريحة الذين تعلموا تعليما جيدا وحداثيا أصبحوا يبحثون عن شراكة فى السلطة من خلال التركيز على الحريات بفعل وسائط الاتصال والتواصل العصرية… وبالتبعية تجرأ أبناء كل من الشريحتين الوسطى والدنيا فى المطالبة بتحسين الأحوال المعيشية من جانب، وفى الحضور فى المشهد السياسى بدرجة أو أخرى من جانب آخر. ونشير ـ للتاريخ، إلى أن تقرير التنمية الصادر عن البنك الدولى لمنطقتى إفريقيا والشرق الأوسط 2009، قد أشار إلى ضرورة استيعاب ما أطلق عليه التقرير: «حلقة الاستثماريين الصغيرة المميزة»، الصاعدة من الطبقة الوسطى، ولكن لم يلتفت أحد للتحولات التى كانت جارية فى مصر… من هنا كان حراك 25 يناير، والذى بدأ بمطالب إصلاحية وتطور إلى تطلعات جذرية…

ثالثا: أما عن مستقبل الطبقة الوسطى؛ وفى ضوء ما سبق، لابد أن نتبنى ما يمكن أن نطلق عليه تأمين « الشراكة المزدوجة فى السلطة والثروة»؛… فالطبقة الوسطى، كتلة كبيرة متنوعة استطاعت عبر عقود أن تتعايش مع الأزمات، وبات لهم حضورهم كقاعدة اجتماعية مؤثرة سواء بفائض المال أو التعليم الحديث أو الانتشار فى شتى المواقع وداعمة للدولة الحديثة فى مرحلتها الجديدة. وعليه لابد من استيعاب الطبقة الوسطى بشرائحها فى المشهد السياسى والاقتصادى.. وهذا يعنى التيسير فى حرية الإشهار والتنظيم والممارسة لا التقييد، سياسيا ومدنيا وثقافيا، وتوسيع مساحات الشراكة الاقتصادية أمامها.. ونتابع.

 

طباعة   البريد الإلكتروني
0
0
0
s2smodern