25 يناير.. تحولات كبرى وإعاقات خطرة...(1)

مهما كان التحول الديمقراطى متعثرا، إلا أن الأكيد هو أن الحراك الذى انطلق فى 25 يناير 2011 قد أحدث الكثير فى الواقع المصرى. وعلى الرغم من أية احباطات قد تكون قد تسربت إلى نفوس الناس، إلا ان هناك تحولات نوعية قد طالت المجتمع المصرى. المقارنة التاريخية بين كل الثورات والانتفاضات السابقة على 25يناير وما جرى خلالها ولا يزال تشير إلى أن جديدا قد طال السياق المصرى تصعب معه العودة إلى الوراء. جديد يرقى أن نطلق عليه «تحولات كبرى».. وبالطبع هناك أمام هذه التحولات الكبرى «إعاقات خطيرة»، من شأنها إشاعة اليأس عن جدوى ما جرى كى تهيئ لإعادة انتاج القديم فى ظل اجراءات استبدادية لم يكن لها ما يبررها، ونشير فى هذا المقال إلى أهم هذه التحولات الكبرى التى أحدثتها 25 يناير . ونتحدث لاحقا عن الإعاقات الخطرة.

•••

التحول الأول: التحرك القاعدى للمواطنين

عرف المواطنون الممارسة السياسية. وأنها تمارس من خلال المجال العام: السياسى والمدنى. وأنه لم تعد هناك جدوى للكمون. فالحقوق لا تمنح وإنما تكتسب. وهذا يتطلب الحركة والخروج إلى الميادين التى باتت رمزا لتحقيق المطالب. لقد كان التغيير من قبل تقوم به النخبة: من أعلى. كما هو الحال فى حالة محمد على، والطبقة فى حالة نخبة 1919، أو الجنرال فى حالتى عرابى وعبدالناصر. بينما جاءت 25 يناير لتقول أن التغيير بـ«إيدين الناس»، وهو المعنى الذى عبر عنه واحد من الشباب بأن 25 يناير هى لحظة ميلاد «سلطان الشعب». إنها المواطنة من أسفل إن جاز التعبير. قد يجادل كثيرون حول أن التحرك القاعدى بلا قيادة وهو جدل له وجاهته. إلا أن تحركا «مواطنيا» قد انطلق آخذا اشكالا متنوعة ولا أظنه سيتراجع.

•••

التحول الثانى: مواجهة النظام الأبوى

يعد النظام «الأبوى»، فى صورته القديمة، أحد اشكال الاجتماع الانسانى الذى يقوم على نظام القرابة وروابط الدم أو الروابط الأولية. ويدير هذا التجمع «الكبير»،  وفق أسس تقوم على: الثقة الشخصية، والقرابة، والولاء الشخصى، والطاعة، والامتثال، للكبير بالأساس (مثلما الحال فى القبيلة، والعشيرة، والطائفة، والجماعة المغلقة) لا الكفاءة، والموضوعية، والولاء للفكرة والمشروع، وإمكانية المراجعة. وللأسف امتدت هذه السمات إلى المؤسسات الحديثة ووجدناها تدار بنفس الطريقة. فباتت المؤسسات الحديثة تدار بمنطق العلاقات البدائية، تحت مظلة حداثية… امتدت الأبوية الجديدة إلى الحزب والنادى والمؤسسة المدنية والشركات الحديثة، وهيئة أساتذة الجامعة،… الخ. حيث أصبحت العضوية تقوم على القرابة والتوريث والولاء الشخصى… الخ. لذا عرفت بالأبوية الجديدة. وهى تعنى فى المجمل غياب المؤسسية التى تقوم على الكفاءة والمحاسبة.

وعلى الرغم من أن مصر قد طرقت أبواب الحداثة منذ أكثر من مائتى عام، واستطاعت ان تبنى دولة مؤسسية بامتياز. إلا أن المنظومة الأبوية بتجلييها القديم والجديد قد أعاقا التحديث المؤسسى فى مصر لاعتبارات كثيرة عندما انحرفت مصر عن الحداثة بتبنيها العودة إلى ما قبل الدولة الحديثة بمقولات / ممارسات كبير العائلة وأخلاق القرية.

إلا أن الزمن الرقمى قد اوجد علاقات مركبة جديدة لم يعد يفيد فيها بقاء علاقات النظام الأبوى. فالطليعة الرقمية الشبابية تحكمها معايير تقوم على المعرفة وقوتها والانفتاح على الدنيا الجديدة بعلاقاتها المتشابكة. وعليه لن يكون للقرابة وصلة الدم مع الوقت معنى وإنما الكفاءة والانجاز والتغيير والتجديد والتأثير، أى التحول من النظام المؤسسى الحديث.

التحول الثالث: إسقاط القداسة والعصمة

عن السلطة/الحاكم

تأسيسا على ما سبق، سقطت كل «التابوهات» والمحاذير. فلم تعد هناك سلطة فوق النقد والمراجعة. ولم يعد ينفع أن يتشح من يتولى السلطة (أى سلطة) بأى قداسة من أى نوع تحول دون أن يتعرض لتصويب. فالحراك الثورى الشبابى الشعبى جرد السلطة من كل الأغطية المقدسة الحامية والمانعة للمساءلة. إن فرض رغبة الشعب فى إسقاط الحاكم قد أسس لتحول نوعى جديد فى العلاقة بين الحاكم والمواطنين. فلم يعودوا بعد «رعايا» بل مواطنين. ويترتب على ما سبق أن يسعى الحاكم والسلطة عموما أن يقوم بما عليه من واجبات وفق علاقة جديدة مؤقتة وليست مؤبدة. كذلك وفق معايير موضوعية قابلة للتقييم تحدد مدى استمرار الحاكم فى السلطة من عدمه. الخلاصة انتهى زمن الزعيم الملهم / المعصوم والذى يسير كل شىء وفق توجيهاته وفى ضوء رؤية علوية ينفرد بها دون الجميع. ولن تفلح وربما لن تجرؤ فى ظنى محاولات الحاشية ( أى حاشية ) فى خلق الحاكم :الإله مرة أخرى.

•••

التحول الرابع: إسقاط الشمولية

أحد اهم التحولات التى شهدها المسرح السياسى المصرى هو اختفاء الحزب الحاكم التاريخى ذات الطابع الشمولى. وإضعاف البيروقراطية الأمنية والإدارية التى كانت تدير الكثير من الملفات وتحكم حركة الكيانات المتنوعة فى الواقع بما يُخدم على مصالح السلطة الحاكمة.

وعليه بات المسرح السياسى مفتوحا للجميع وفق التنافس الحر بما يخدم المواطنين. وانطلاق المواطنين فى حركة متنوعة نحو التنظيم فى أشكال مختلفة من تحالفات وجماعات وجبهات وتآلفات… الخ. ولا عصمة لأى كيان مهما رفع من لافتات يظن أنها تحميه من النقد والمراجعة. وهو أمر مهما كثر وتكاثر يعكس أمرا محمودا وسوف ينضبط مع الوقت واكتساب الخبرة. وهو ما يعنى إسقاط كل ما هو شمولى.

•••

الخلاصة، استطاعت الكتلة الشبابية الطالعة أن تحدث تحولات كبرى فى بنى المجتمع المصرى من جعل المواطنة فعلا، وخلخلة النظام الأبوى، وتجريد السلطة من القداسة، ودحر الشمولية بأبعادها: السياسية والدينية والثقافية، إلا أن هناك الكثير من الإعاقات الخطرة نرصدها فى مقال قادم.

 

طباعة   البريد الإلكتروني
0
0
0
s2smodern