الصهيونية ذات التوظيف المسيحي
والتمييز الديني المطلق لإسرائيل
1. تمهيد تاريخي:
كانت أوروبا في القرنين الرابع عشر والخامس عشر تموج بالكثير من “القلاقل والاضطرابات، علامة لبداية انحدار ثقافة العصر الوسيط”(1)، حيث طال الانحدار كافة المؤسسات والكيانات آنذاك. إلا أن الظاهرة التي كانت الأبرز في هذه الفترة هو ذلك التداخل بين السياسة والدين أو بالأحرى “تدخل رجال الدين في السياسة أو تدخل السلطة الزمنية في الدين”(2)،
الأمر الذي كانت له تداعيات كثيرة على أرض الواقع وعليه كان للإصلاح الديني قبوله الاجتماعي في أوروبا وربما لاستجابته لكثير من التطورات المجتمعية وهو ما جعل كثير من الباحثين يطرح السؤال “أيهما صنع الآخر هل الأفكار البروتستانتية هي التي أحدثت التحولات الاقتصادية أم أن التحولات الاقتصادية هي التي أنبتت الأفكار البروتستانتية”. وبغض النظر عن التفسير ومهما كانت الإجابة فإن القطعي هو أن المذهب الجديد جاء ليكسر سطوة الكنيسة الكاثوليكية ذات الطابع المركزي ويستجيب للطبقات البرجوازية الصاعدة التي تريد التحرر من سطوة الكنيسة والتي لم تمنع من “زيادة سلطة الملكيات ودعمها.. فنجاح الإصلاح في ألمانيا كان يتوقف على نيل مساعدة الأمراء. وفي إنجلترا نفذ الإصلاح عن طريق سلطة هنري الثامن القريبة من مطلقة..”(3).
وقد كان المدخل الرئيسي للإصلاح هو حرية الفرد – أو الطبقة الصاعدة – الذي فك ارتباطه بالكنيسة في أن يقوم بتفسير الكتاب المقدس بنفسه. فقد “ركز الإصلاح البروتستانتي في القرن السادس عشر تركيزاً شديداً على الكتاب المقدس وعده المرجع الأول في شئون الإيمان والعمل.. فكان من جراء ذلك أن ظهر فيض من التفسيرات.. ونشأ مقاربات إكليسيولوجية (كنسية) شتى. وفي خضم شيوع تأويل الكتاب المقدس بين الناس وإضعاف مركزية الكنيسة إنفسح المجال واسعاً أمام نشوء البدع”(4)، الغير مقبولة مسيحياً.
على الجانب اليهودي كانت حركة الإصلاح الديني “مصدر ارتياح لليهود الذين رأوا فيها حركة انقلابية منذ تعاليم أرساها القديس بولس ومن بعده أوغسطين.. اللذان أكدا أن شريعة بني إسرائيل سقطت بسقوط حامليها، و أن إسرائيل أمة زالت من الوجود مرة وإلى الأبد”(5). ويلاحظ أنه في نفس الوقت كان لمارتن لوثر موقفاً مؤيداً لليهود في أوروبا عبر عنه في كتابه الصادر عام 1523 بعنوان “المسيح ولد يهودياً” ويبدو أنه في هذا الكتاب كان يأمل في ضم اليهود إلى المسيحية حيث عبر عن موقفه المناهض لهم بعد عشرين عاماً أي في عام 1543 في كتاب “اليهود وأكاذيبهم” محرضاً الأمراء الألمان على اقتلاع اليهود وعزلهم ومصادرة ثرواتهم وطردهم إلى أرض كنعان من حيث جاءوا.. ويبدوا أن لوثر قد ضاق بأمرين:
1. تمسك اليهود بمعتقدهم.
2. تمسك اليهودي بممارسة الربا التي تجعله قادراً على امتياز جزء من الثروة الألمانية القومية. الأمر الذي جعله يطالب بمصادرة الثروة التي نهبها اليهود من الأمة.
2. مولد الصهيونية الدينية:
بيد أن حركة “الطهريون” Puritans وهي الحركة الأكثر تشدداً في الحركات البروتستانتية قد التزمت التفسير الحرفي المقدسي حيث اعتبرت التوراة كلمة الله المعصومة. كما اعتبروا الأساطير والنبوءات العبرية تاريخاً، والشريعة الموسوية قانوناً، وعَمدوا أولادهم بأسماء عبرية، وقدسوا يوم السبت، وأدخلوا اللغة والأدب العبريين إلى المدارس، وأصبحت لغة القداس في الكنائس، وأدخلت في القداس نصوصاً من التوراة. بل أن العبرية دخلت في نسيج الحياة اليومية للأمة. إن عودة البروتستانت الطهريون البريطانيين إلى العهد القديم وإعادة توظيفه سياسياً خاصة فيما يتعلق باليهود بات بمثابة حاضنة ثقافية خرج منها الصهيونية الدينية ثم الصهيونية السياسية.
لقد تماهي الطهريون مع الإسرائيليين القدامى فوصفت بريطانيا في عهد كرومويل (1649-1658) “بإسرائ
يل البريطانية وصهيون الإنجليزية، ووصف الطهريون أنفسهم بأبناء إسرائيل وطالبوا منذ 1573″ بجعل الشريعة الموسوية ملزمة للأمراء المسيحيين(6)”.
إن هذا التماهي الديني قابله تلاقي على المستوى الاقتصادي حيث يقول “ويبر” أن كلاً من اليهودية والبروتستانتية تقفان في صف الرأسمالية، الفرق هو “أن اليهودية وقفت إلى جانب الرأسمالية المغامرة متجهة نحو السياسة والمضاربة وكانت تقاليدها هي تقاليد الرأسمالية المنبوذة. أما البروتستانتية الطهرية فقد تبنت تقاليد المشروع البرجوازي العقلاني والتنظيم العقلاني للعمل(7)، حيث كان كرومويل قد فتح بلاده لرؤوس الأموال اليهودية.
وما أن حل القرن السابع عشر حتى أخذت ظاهرة “إحياء السامية” كما أسماها المؤرخ اليهودي سيسيل روث، تفرض نفسها وتكتسب الاعتراف في الأوساط الرسمية والشعبية، وقد اتفقت هذه الظاهرة بمظاهر ثلاثة(8) وذلك كما يلي:
1. التعاطف مع اليهود.
2. الخجل مما عانوه في الماضي.
3. الأمل في تحقيق نبوءة عودة اليهود إلى فلسطين.
لقد أدت موجة الإحياء للسامية في أوروبا إلى إحداث التأثيرات التالية(9):
1. امكانية قبول التفسير اليهودي للعهد القديم، ولاسيما التفسير المتعلق بمستقبل إستعادة اليهود لفلسطين.
2. إقناع طلبة الجامعات والباحثين بأن كلمة إسرائيل الواردة في العهد القديم تعني كل الجماعات اليهودية في العالم.
3. قبول التفسير بارتباط زمن نهاية العالم بعودة المسيح الثانية، وإن هذه العودة مرتبطة بمقدمة تشير إلى عودة اليهود إلى فلسطين.
على هذه الأرضية توالت كثير من الكتابات تدعوا إلى عودة اليهود إلى فلسطين منها البحث الذي وضعه السير هنري فنش (Henry Finch)[المستشار القانوني لملك إنجلترا ونشره عام 1621 بعنوان الاستعادة العظمى العالمية The World’s Great Restoration] واعتبر أولى المشروعات الإنجليزية لاستعادة فلسطين لليهود، حيث طالب الأمراء المسيحيون بجمع قواهم لاستعادة إمبراطورية الأمة اليهودية(10).
في هذه الأجواء التي راجت فيها فكرة عودة اليهود إلى فلسطين برزت فكرة أخرى مكملة لها مفادها أن هذه العودة “تمهد لمجيء المسيح الثاني الذي يندرج في سياق النظرة “الألفية” إلى المستقبل والقائلة أن العالم كما نعرفه أشرف على النهاية وأن ألفاً من السنين سيبدأ بعد هذه النهاية”(11). وقد ارتبطت هذه الفكرة بصياغة علاقة لاهوتية مباشرة بتصور دولة يهودية حديثة تتميماً لنبوءة الكتاب المقدس حيث يعود السيد المسيح إلى الأرض كملك لمدة ألف عام “الحكم الألفي” مقيداً إبليس. وقد صارت إنجلترا مركز هذه النزعة التي تزايد نفوذها مع مطلع القرن التاسع عشر. هذا وقد ظهرت عدة اتجاهات حول فكرة الملك / الحكم الألفي(12) وذلك كما يلي:
اتجاه عرف باسم “سابقوا الألف” . Pre-Millennialism(مذهب السابقية)
اتجاه عرف باسم لاحقوا الألف Post-Millennialism.
اتجاه التفسير الروحي.
يمكن القول بداية أن رفض هذه الفكرة هو ما استقرت عليه الكنيسة الشرقية وأغلب الكنائس الرئيسية في الغرب: الكاثوليكية والتيار الرئيسي للكنيسة الإنجيلية. حيث الربط بين إقامة دولة يهودية والتفسير الحرفي للنصوص و التفسير التاريخي للكتاب المقدس وتمييز اليهود الذي يعيد فكرة أنهم المختارون والمدعوون، فالمسيحية فتحت الباب للجميع والله لا يميز شعباً بعينه.
بيد أن الأخطر في الاتجاهات السابقة هو الأول أو ما عرف باتجاه “السابقية” أو سابقوا الألف: “التدبيريون” او”الحقبيون” أو”الدهريون” Dispensational/ Pre-Millennialism حيث يرى أتباع هذا الاتجاه “المسيحية كفرقة من الفرق اليهودية، ولذلك يخلطون بين ما هو يهودي وما هو مسيحي وبين الدين والأحداث السياسية”(13)، وحاولوا قراءة التاريخ قراءة سياسية تاريخية وهم لا تعتبرهم الكنائس المسيحية الرئيسية “مسيحيون”.
3. الصهيونية ذات التوظيف المسيحي:
على الأرضية السابقة برز تعبير “الصهيونية المسيحية”، وهنا تجدر الإشارة إلى الملاحظة الهامة للدكتور عبد الوهاب المسيري والتي نوافقه عليها وهو أن “الصهيونية المسيحية مصطلح انتشر في اللغات الأوروبية وتسلل منها إلى اللغة العربية، حيث تتم ترجمة كل المصطلحات بأمانة شديدة وتبعية أشد دون إدراك مضامين المصطلح، ومن ثم فإننا لا نعرف إن كان هذا المصطلح يعبر عن موقفنا بالفعل وعن رؤيتنا للظاهرة أم لا.
والواقع أن مصطلح “الصهيونية المسيحية” يضفي على الصهيونية صبغة عالمية تربطها بالمسيحية ككل، وهو أمر مخالف تماماً للواقع، إذ ليس هناك صهيونية مسيحية في الشرق. بل أن أوائل المعادين للصهيونية بين عرب فلسطين كانوا من العرب المسيحيين.. كما أن الكنيستين الكاثوليكية والأرثوذكسية تعارضان الصهيونية على أساس ديني مسيحي أيضاً. ولذا، فإن مصطلح “الصهيونية المسيحية” غير علمي نظراً لعموميته ومطلقيته. ومن هنا، فإن الحديث يجري هنا، في هذه الموسوعة، “عن الصهيونية ذات الديباجة المسيحية”، فهي صهيونية غير مسيحية بأي حال، بل صهيونية استمدت ديباجتها (عن طريق الحذف والانتقاء) من التراث المسيحي دون الالتزام بهذا التراث بكل قيمه وأبعاده”(14). إنها اتجاهات توظف بعض الخارجين عن المسيحية في تقديرنا.
إن هذه الأفكار الصهيونية والتي استعادت المفردات المسيحية والتقت مع البعض الذين التزموا التفسير الحرفي المتشدد وأعملوا التهويد خرجوا من عباءة “بعض المذاهب الإنجيلية والهيئات الأخرى ويطلق عليهم في الغرب “الإنجيليون Evangelicals بالإضافة إلى فرق تمسحت بالمسيحية ولا يعترف بأنها تنتمي إلى المسيحية من قبل الكنائس الكبرى والتيار الرئيسي للمسيحية البروتستاتية ومن هذه المذاهب شهود يهوه والسبتيون والمورون”(15)
4. الصهيونية المسيحية ومسارها التاريخي:
أ. أوروبا القرن التاسع عشر
ولاقت هذه الأفكار كثيراً من القبول مع مطلع القرن التاسع عشر الذي “شهد حركة إحيائية، تستعيد الحركة الطهرية فتأسست في لندن سنة 1807 جمعية لنشر المسيحية بين اليهود وعمل القس لويس وايLewis Way، الذي أصبح عام 1809 مديراً للجمعية على ترويج فكرة عودة اليهود إلى فلسطين تحقيقاً للنبوءات”(16) ولكن سرعان ما تحولت هذه الجمعية من دعوة اليهود إلى المسيحية إلى دعم الفكرة الصهيونية. ويذكر أيضاً في هذا المجال هنري دراموند، عضو مجلس العموم البريطاني الذي تخلى عن عمله السياسي بعد زيارة الأرض المقدسة ونذر حياته لتعليم الأصولية المسيحية وعلاقتها بضرورة عودة اليهود إلى فلسطين.
انتقل الاهتمام الأوروبي باليهود إلى فرنسا حيث انطلقت من هناك لأول مرة خطة لإقامة “كومونولث يهودي في فلسطين، مقابل القروض اليهودية للحكومة الفرنسية، ومساهمة اليهود في تمويل حملة نابليون بونابرت لاحتلال المشرق العربي بما فيه فلسطين”(17). ويعد نابليون بونابرت هو أول رئيس دولة يقترح استعادة دولة يهودية في فلسطين.
وتوالت الدعوات السياسية والدينية في القرن التاسع عشر لتشجيع توطين اليهود في فلسطين الأمر الذي ساهم في تهيئة الظروف والمناخ المناسبين لولادة الصهيونية اليهودية السياسية.
ويعتبر اللورد بالمرستون (1784-1865) وزير خارجية إنجلترا، ورئيس وزرائها فيما بعد، من أشد المتحمسين لتوطين اليهود في فلسطين. التقط اللورد شافتسبري الذي كان يعد واحداً من القوى القيادية الكامنة وراء جمعية نشر المسيحية بين صفوف اليهود، حيث كان “صهيونياً مسيحياً (تجاوزاً) جاء في الطليعة على صعيد استخدام حكومة دولته المسيحية في سبيل العمل على إيجاد دولة يهودية في فلسطين”(18). وكان يؤمن بضرورة التنقيب عن آثار فلسطين للتدليل على صدق الكتاب المقدس وصحة ما ورد فيه، وقد تقدم على ما سبق أثناء انعقاد مؤتمر لندن عام 1840 بمشروع إلى بالمرستون “لتوطين اليهود في فلسطين، لأنها في رأيه «أرض بغير شعب لشعب بلا أرض» ولم تكن مبادرة بالمرستون ودعوات اللورد شافتسبري مجرد صدفة، فقد جمعت هذه الاتجاهات الصهيونية ما بين السياسي (السلطة والقوة) والمنبر الإعلامي (الرأي العام) والتوراة التي كان يمثلها اللورد..”(19). وكان شافتسبري يطلق على اليهود دائماً تعبير «شعب الله القديم». وقد عمل جاهداً لإعادة اليهود إلى فلسطين.. لأنهم مفتاح الخطة الإلهية لمجيء المسيح ثانية، والأداة التي من خلالها تتحقق النبوءة التوراتية. وقد احتل شافتسبري مكاناً بارزاً في تاريخ الحركة الصهيونية (ذات الديباجية) المسيحية (أو ذات التوظيف المسيحي)، ورأى في “اليهود شيئاً حيوياً بالنسبة إلى أمل المسيحيين في الخلاص. وتحولت عودة اليهود إلى فلسطين في الوقت الملائم سياسياً، واستيطان اليهود في فلسطين إلى أمنية سياسية بالنسبة إلى إنجلترا”(20). ولا يخفى على القارئ للاستراتيجيات البريطانية الربط بين حصار مشروع محمد علي النهضوي والتوسعي وإعادة اليهود ليكونوا عقبة أمام أي مؤامرات شريرة مستقبلية من تدبير محمد علي أو خلفه.
ولا يمكن في هذا المقام نسيان القس وليم هنري هتشلر، ابن المبشر الذي عمل في السفارة البريطانية بفيينا وكان “يحترم اليهود احتراماً شبه أسطوري”(21) وكان من المؤيدين بحماس لتيودور هرتزل وبذل كل ما لديه من أجل القضية الصهيونية لمدة تناهز الثلاثين سنة.
وقد كان مهندس وعد بلفور، الأمر الذي رحب به الذين ينتمون إلى اتجاه “السابقية” ومن الصهيونيين المسيحيين.
وهكذا صار توطين اليهود في فلسطين مسألة تداخلت فيها المعتقدات التوراتية والطموحات الإمبريالية السياسية والاستراتيجية وعلى هذه القاعدة تعددت الدعوات الأوروبية التي التقت بالمخططات الصهيونية السياسية خاصة بعد عقد المؤتمر الصهيوني الأول، ولم تتوقف المجموعات المسيحية التي نراها انحرفت عن المسيحية أن تدعم توطين اليهود في فلسطين واعتبارهم شعباً مختاراً، وفلسطين هي أرضهم الموعودة.
الحصيلة النهائية لما سبق هو تلور مجموعة من المفاهيم مثلت قاعدة فكرية وسياسية ودينية لمسيرة الصهيونية المسيحية وخاصة وقد بدأت تحتضنها القارة الجديدة أي الولايات المتحدة الأمريكية والتي ستمثل منعطفاً مؤثراً بالنسبة لها، ويمكن إيجاز هذه الحصيلة في العناصر الآتية:
1. اليهود هم شهب الله المختار، وأنهم يكونون بذلك الآمة المفضلة على الأمم.
2. هناك “ميثاق (وعد) إلهي” يربط اليهود بالأرض المقدسة في فلسطين.
3. ربط الإيمان بعودة السيد المسيح بقيام دولة صهيون أي بإعادة تجميع اليهود في فلسطين حتى يظهر المسيح فيهم.
ب. الصهيونية المسيحية في الولايات المتحدة الأمريكية:
أولاً تأسيس تاريخي
منذ نشأة المجتمع الأمريكي، شكل المهاجرون الجدد-البيوريتانيون– هذا المجتمع بما يتوافق مع عقيدتهم ، والتي ذهب البعض إلى أن يرى في ذلك المصدر الأول للحياة الأمريكية . وبارتباط هذه العقيدة بالرأسمالية نشأت أمريكا حيث ولد المجتمع والدين في آن واحد(22).
ومع اكتشاف الولايات المتحدة الأمريكية ووفود الهجرات الأوروبية في شكل موجات بشرية متلاحقة، وذلك في النصف الثاني من القرن السابع عشر ، فإننا نجد “الاتجاهات الصهيونية” “تشكل عنصراً بارزاً في الحياة الثقافية والسياسية”(23). فالمهاجرون الأوائل كانوا من البيوريتانيين، الذين حملوا معهم التقاليد والقناعات التواراتية وتفسيرات العهد القديم التي انتشرت في إنجلترا وأوروبا قبل ذلك. لقد ذهب كثير من الباحثين إلى أن المهاجرين الجدد من المسيحيين المتهودين بما يحملوه من أفكار ومفاهيم قد ساهموا بشكل مباشر في تكوين الشخصية الحضارية الأمريكية في ضوء هذه المفاهيم والأفكار التي تمثل لقاءً حياً للمسيحية واليهودية.
ويرصد كثير من المؤرخين كيف أعطى المهاجرون الأوائل “أبناءهم أسماء عبرانية (ابراهام، سارة، العازر…)، كما أطلقوا على مستوطناتهم أسماء عبرانية (حبرون، وكنعان…)، وفرضوا تعليم اللغة العبرية في مدارسهم وجامعاتهم، حتى أن أول دكتوراه منحتها جامعة هارفارد في العام 1642 كانت بعنوان “العبرية هي اللغة الأم”، وأول كتاب صدر في أمريكا كان “سفر المزامير”، وأول مجلة كانت (اليهودي)”(24). يضاف إلى ما سبق أنه سمح لليهود “ببناء محافلهم الدينية في وقت مبكر إثر هجرتهم إلى العالم الجديد الأمريكي، وتم لهم ذلك قبل أن يسمح البروتستانت البيوريتانيون المسيطرون على معظم المستوطنات الجديدة لطائفة الكاثوليك في بناء كنائسها”(25)، وقد أسموا أنفسهم ” أطفال إسرائيل ( Children of Israel) في طريقهم إلى الأرض الموعودة”، واحتفلوا بيوم السبت كيوم راحة لهم.
ومنذ البداية وجدت علاقة وثيقة ذات أبعاد مركبة: لاهوتية، وتاريخية، وسياسية، وثقافية، وروحية، بين اليهودية والبروتستانتية الطهرية، امتزجت هذه الأبعاد فيما بينها وتعايشت إلى الآن. فلقد رأى البروتستانت الطهريون، في ضوء ما حملوه من أفكار، “العالم الجديد باعتباره القدس الجديدة”(26)،حيث شعر المهاجرون الجدد أن تجربتهم الناشئة تجعلهم متماثلين مع المنفيين والمقيمين العبرانيين الذين ذكروا في التوراة، فقد أصبحت أمريكا، بالنسبة لهم، “(كنعان الجديدة)، فهم فروا مثل العبرانيين القدامى، من عبودية “فرعون” (الملك جيمس الأول ملك إنجلترا) من “أرض مصر” (إنجلترا) بحثاً عن ملاذ في الأرض الجديدة الموعودة من الاضطهاد الديني”(27). ومع بداية القرن الثامن عشر بدأت فلسطين “كوطن لليهود” تحتل مكانة خاصة لدى الأصوليين البروتستانت، ومع الوقت أصبح هناك اعتقادا راسخاً في اللاهوت البروتستانتي الأمريكي الأصولي بضرورة البعث اليهودي. وتلفت النظر “ريجيناً الشريف” كيف تضمنت الثقافة البروتستانتية الأصولية كثيراً من تعاليم الصهيونية الروحية والدينية فلقد “كان هناك ميل لديهم قوي للاعتقاد بأن مجيء المسيح يجب أن ينتظر عودة الدولة اليهودية”(28). كان هذا الرأي محصوراً في فكر من انحازوا لمباديء السابقية الألفية والذي يمكن اعتباره امتداداً لما تبلور في أوروبا من قبل، وانتقل إلى أمريكا وارتبط إلى حد كبير في وجدان وفكر هؤلاء الطهريين الذين استوطنوا القارة الجديدة. لقد مال البروتستانت الطهريون الذين اعتنقوا السابقية الألفية إلى هذا التوجه بل يمكن القول أنهم اعتنقوه، وسعوا إلى ضرورة العمل من أجل “الأحياء القومي للشعب اليهودي”، والتقوا مع الحركة الصهيونية في مبادئها. ويشهد التاريخ على تبني مؤسس الكنيسة المورمونية القس جوزفسميث، نظرية البعث اليهودي في فلسطين، وتتوالى الأسماء من اللاهوتيين الإنجيليين المؤثرين: القس وردر جريسون، والقس وليم بلاكستون (1841-1935)، وسايروس سكوفليد، إلخ، وكلهم عملوا على الإسراع بدفع اليهود إلى العودة إلى وطنهم بل وبالعمل على إنشاء مستوطنات لليهود مثلما فعل وردر جريسون الذي قام ” بإنشاء مستوطنة زراعية يهودية لتدريب المهاجرين اليهود على شؤون الزراعة والإنتاج الزراعي”(29). ولم يتوقف الأمر عند ذلك بل بدأت الضغوط السياسية لتحقيق هذا الهدف الروحي / السياسي ألا وهو إقامة وطن يهودي. فأسس بلاكستون منظمة تدعى “البعثة العبرية من أجل إسرائيل Hebrew Mission on Behalf of Israel لم تزل مستمرة في مهمتها حتى اليوم باسم جديد هو الزمالة المسيانية الأمريكية American Messianic Fellowship وتعتبر حتى اليوم قلب جهاز الضغط (Lobby) الصهيوني في الولايات المتحدة”(30).
ثانياً: مسيرة الصهيونية المسيحية في القرن التاسع عشر في أمريكا وحتى مطلع القرن العشرين
إن قراءة تطور “حركة السابقية” في الولايات المتحدة الأمريكية والتي ارتبطت بالأفكار الصهيونية يمكن إيجازها في الآتي(31):
من العام 1800 إلى العام 1850 اشتد التركيز على عقيدة القداسة والعقيدة الألفية. وفي الأربعينات من القرن الماضي اجتاحت عقيدة تدعى الميلرية السواحل الشرقية للولايات المتحدة وباع الكثير من أتباعها كل ممتلكاتهم ليلقوا المسيح في العام 1843. وقد كان من شأن الصحوة الكبرى والتركيز على التبشير الإحيائي والنبوءة الكتابية تمهيد الطريق لدرابي وتمكين عقيدة القدرية السابقية من الترسخ بعد الغليان الاجتماعي الذي استجرته الحرب الأهلية (1860-1865).
خلال الفترة الممتدة من العام 1867 حتى العام 1920 شكلت حركة الكتاب المقدس والنبوءة منتدىً مهماً لدرابي ولغيره من السابقيين ليطوروا آراءهم ويعبروا عنها. ومع نهاية عقد الثمانينات من القرن الماضي كانت القدرية السابقية وإحدى صور الصهيونية المسيحية قد صارت مقبولة لدى الإنجيليين الأمريكيين ونفر غير قليل من القادة داخل التيار السائد في البروتستانتية (المشخيين، والأسقفيين، والميثوديست، إلخ).
أما أهم شخصية أمريكية روجت على نطاق واسع للصيغة السياسية من الصهيونية المسيحية فكانت وليام إ. بلاكستون، مؤلف الكتاب الأفضل مبيعاً في العام 1881 “المسيح آت”. وقد نظم أول مساعدي اللوبي الأمريكي المؤيد لإنشاء دولة يهودية بفلسطين. وقبل ستة أعوام من المؤتمر الصهيوني العالمي الذي عقده هرتزل، أطلق بلاكستون حملة مكثفة لحشد التأييد من أعضاء بمجلس الشيوخ الأمريكي وقاضي قضاة المحكمة العليا، ونفراً من أكابر رجال الأعمالأمثال جون د. روكفلر، تشارلز ب. سكريبنر وج. ب. مورجان. وقد حثت الحملة بنيامين هاريسون رئيس الولايات المتحدة آنذاك على الدعوة من أجل إنشاء دولة يهودية بفلسطين. وقد كان لبلاكستون اتصال بهرتزل. وعندما بدأ الزعيم الصهيوني يناقش مع الحكومة البريطانية إمكانية إقامة دولة يهودية في أوغندا أو الأرجنتين بعث إليه بلاكستون توراة قد خط فيه خط تحت كل الفقرات التي تشير إلى إسرائيل وفلسطين، وأرفقه بتعليمات واضحة مفادها أنه لا يصح اختيار غير فلسطين موقعاً للدولة اليهودية.
وأهم أداة إذاعة العقيدة القدرية السابقية، ومن خلالها الصهيونية المسيحية، كانت نشر طبعة سكوفيلد المرجعية للكتاب المقدس في العام 1909. فقد عمل س. أي. سكوفيلد طبعة من الكتاب المقدس تشتمل على هوامش وتعليقات تستند إلى العقيدة القدرية السابقية. ثم ما لبثت هذه الطبعة أن غدت الأكثر استعمالاً لدى الإنجيليين الأمريكيين والحركة الأصولية الحديثة.
ومع اندلاع الحرب العالمية الأولى كانت القدرية السابقية قد أضحت هي المقاربة الوحيدة لكل مباحث الأخرويات في صفوف الإنجيليين الأمريكيين الأصوليين. فقد استمدوا اسمهم وبرامجهم المذهبي من سلسلة من الكراريس التي نشرت بين العامين 1910 و1915 والتي عنونت “الأصول” ووزعت مجاناً في أنحاء الولايات المتحدة كلها. وقد أيد مل من الإنجيليين والأصوليين العقيدة القائلة إن إنشاء دولة يهودية بفلسطين يعد تتميماً لبعض النبوءات الكتابية، إلا أن المؤمن العادي لم يكن ليفكر في ما تنطوي عليه هذه العقيدة من فرضيات كتابية وسياسية ولا ما ينجر عنها من تشعبات. وبذلك بدأت المقاربة القدرية السابقية تتنامى في العديد من طوائف التيار الأصولي في البروتستانتية، ولاسيما في صفوف جمهور المؤمنين وفي دوائر القساوسة المحافظين.
a. الصهيونية المسيحية: زخم جديد:
شهدت الصهيونية المسيحية في الولايات المتحدة الأمريكية زخماً كبيراً مع مطلع السبعينات وذلك بفعل حركة اليمين المسيحي(32) البروتستانتي الأصولي من جانب كذلك بما حققته إسرائيل في حرب الخامس من يونيو. من جانب آخر فاليمين الديني المسيحي بدأ يطور من وسائله وأساليبه ويتمدد في حركته حيث اتبع انتشاراً قاعدياً من خلال كيانات وتشكيلات مدنية في إطار المجتمع المدني وفي نفس الوقت استغل الإعلام المرئي أفضل استغلال فكان ميلاد ما اصطلح على تسميته “بالكنيسة المرئية”. نعم كانت هناك عوامل داخلية ساهمت في ذلك التمدد الأمر الذي جعل الرئيس كارتر يقول “أن القوة المسيحية الإنجيلية هي الآن قوة سياسية رئيسية”(33). على الجانب الآخر اعتبر تيار الصهيونية المسيحية الانتصار الفكري الإسرائيلي، أكثر أهمية من تأسيس الدولة اليهودية في عام 1948، فقد رأت فيه، “وخاصة احتلال إسرائيل للقدس كاملة، تحقيقاً للنبوءة التوراتية وإشارة لاقتراب نهاية الأزمنة”(34). وعندما زار الرئيس كارتر إسرائيل في مارس 1979 ألقى خطاباً أمام الكنيست قال فيه “جسد من سبق من الرؤساء الأمريكيين الإيمان بأن جعلوا علاقات الولايات المتحدة مع إسرائيل هي أكثر من علاقات خاصة، إنها علاقات فريدة لأنها متأصلة في ضمير الشعب الأمريكي نفسه وفي أخلاقه وفي دينه وفي معتقداته. لقد أقام كلاً من إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية مهاجرون رواد، ثم أننا نتقاسم معكم تراث التوراة”(35).
بمرور الوقت باتت إسرائيل أحد الموضوعات الرئيسية لليمين المسيحي الأصولي والتي تحمل مسئولية الدفاع عنها منظمات اليمين المسيحي(36) من جانب وجماعات الضغط الموجه من جانب آخر، وسوف نتعرض لنماذج لكل منهما كما يلي:
أولاً منظمات اليمين المسيحي مثل:
جيري فولويل مؤسس منظمة الأغلبية الأخلاقية، يعلن “أن الوقوف ضد إسرائيل هو معارضة لله”. كما لا يوجد حرجاً في الإعلان عن صهيونيته فيقول: “إنني صهيوني، وأؤمن نظرياً ونبوءةً وسياسياً بأن أرض فلسطين والأردن هي للشعب الإسرائيلي، ولا أحبذ أن تتخذ إسرائيل أي قرار بإعادة أي أرض لجيرانها العرب..”.
بات روبرتسون وشبكة الإذاعة المسيحية ومنظمة التحالف المسيحي، حيث ينظر إلى العرب على أنهم أعداء الله، لأنه يعتبر صراع العرب مع إسرائيل ومعارضتهم لها تحدياً لإرادة الله. وتعد منظمة الائتلاف المسيحي أحد أهم المنظمات الأصولية في أمريكا، ولها تأثير سياسي فاعل.
ثانياً جماعات ضغط منظمة بشكل رئيسي من أجل إسرائيل والقدس:
منظمة السفارة المسيحية الدولية – القدس:
تأسست “السفارة” في سبتمبر 1980، كرد من بعض الأفراد على سحب 13 دولة سفارتها من القدس. وعلى رغم أن مصادر تمويل “السفارة” ليست معلومة. فإنه من المؤكد أنها تلقت على نحو قاطع أموالاً من المصادر المسيحية الأصولية المؤمنة بعصمة التوراة. وتنشط “السفارة” الآن في ما لا يزيد على الثلاثين بلداً في أوروبا وأمريكا الشمالية وآسيا وأستراليا. ولها في الولايات المتحدة نحو عشرين قنصلية للإشراف على نشاطاتها، وتحث الناس على شراء منتجات إسرائيلية وتبيع سندات إسرائيلية للجماعات الأصولية في أمريكا وتتبرع بالدم للقوات الإسرائيلية المسلحة. “ويؤمن أعضاء “السفارة” بأنهم حين يفعلون هذه الأعمال وغيرها نيابة عن إسرائيل فإنما ينفذون إرادة الله”(37).مؤسسة جبل الهيكل
وهي ذات أهداف صهيونية محددة حيث تهدف إلى إنشاء الهيكل في القدس ويقع مقر هذه المنظمة في لوس أنجلس.
b. الصهيونية المسيحية والتمييز المطلق لإسرائيل منذ التسعينات:
منذ بداية التسعينات وبعد نهاية حرب الخليج الثانية أصبح لحركة الصهيونية المسيحية دورها في تأمين كل ما من شأنه تفعيل ما جاءت به النبوءات. ولم تستطع الكنائس الإنجيلية والتي تشكل الجسم الرئيسي للبروتستانت الأمريكيين من أن تلعب أي دور مؤثر لموازنة قوى اليمين المسحي(*). بل أن بعضها(38) جارت المنظمات والجماعات المدنية المتشددة في تصوراتها مثل: المورمون وشهود يهوه.. وفي إشارات سريعة يمكن رصد تنامي التعاون بين إسرائيل وهذه الحركات كما يلي:
في عام 1996 ترأس نتنياهو الذي كان انتخب رئيساً جديداً للحكومة الإسرائيلية، المجلس الإسرائيلي المسيحي. فدعى 17 من القادة الأصوليين والإنجيليين لزيارة إسرائيل بمن فيهم دون أركي، رئيس التحالف الوطني الإنجيلي، وبراند جوستافون رئيس المذيعين الوطنيين الدينيين، ودونالد ويلدمون رئيس الاتحاد العائلي الأمريكي. هؤلاء القادة الذين يمثلون عدة ملايين مسيحي وقعوا على عريضة يعربون فيها عن الأمل بأن “لا تتخلى أمريكا أبداً عن إسرائيل”.
في العاشر من إبريل 1997، نشر القدريون المسيحيون (السابقون الألفيون) إعلاناً مؤيداً لإسرائيل في صحيفة نيويورك تايمز، واستخدموا عبارات من الكتاب المقدس للتأكيد على أن “القدس هي العاصمة الروحية والسياسية للشعب اليهودي وحده طوال ثلاثة آلاف عام”. ووقع الإعلان بات روبرتسون، ورالف ريد رئيس التضامن الميحي (التحالف المسيحي)، وأ. ماكتير عن منظمة الطاولة المستديرة، إضافة إلى فولويل.
وتجدر الإشارة إلى الموقف الذي اتخذه الكونجرس الأمريكي بمجلسيه في نوفمبر 1995 (قرار بقانون) باعتبار القدس عاصمة لإسرائيل، ونقل مقر السفارة الأمريكية إليها من تل أبيب، على مدى قدرة اليمين المسيحي الأصولي على التأثير في صناعة القرار الأمريكي من جهة كذلك المضمون الديني في صياغة ديباجية القانون:
“مدينة القدس هي المركز الروحي لليهودية، كما أنها تعد مدينة مقدسة من قبل الأعضاء المنتمين لمعتقدات دينية أخرى”
ويلاحظ تسمية اليهود فقط وعدم ذكر المسيحية والإسلام. فالتشريع خص اليهودية دون غيرها. فبينما القدس هي المركز الروحي لليهودية فإنها مجرد مدينة مقدسة للمعتقدات الدينية الأخرى. نحن إذن أمام حالة تعكس الارتباط الشطري بين اليهودية الدين “المعرف” والقدس، مما يضمن الوجود الفيزيقي والحضور المادي والحق القانوني لمن ينتمون لليهودية وشرعية التملك والحكم، ولكنها لا تنص على ذلك للآخرين فالقدس بالنسبة للآخرين مجرد مدينة مقدسة لا تحقق سوى الارتباط الوجداني.
في يناير 1998 ساعد فولويل على تنظيم لقاء بين رئيس الحكومة الإسرائيلية نتنياهو ومؤيدي إسرائيل من ذوي الاتجاه السابقي، بمن فيهم قادة المحفل المعمداني الجنوبي موريس تشامبان وريتشارد لاند وكذلك جون هاجي من سان أنطونيو، حيث تعهدوا باستنفار جماعاتهم ضد الضغوط التي تمارسها إدارة كلينتون على إسرائيل لحملها على التخلي عن أراضي فلسطينية. وأبلغ فولويل نتنياهو بوجود 200 ألف كاهن إنجيلي في أمريكا “سنطلب منهم جميعاً عبر البريد الإلكتروني والفاكس والرسائل والهاتف، أن يتوجهوا إلى منابرهم الكنسية وأن يستخدموا نفوذهم لدعم دولة إسرائيل ورئيس وزاراتها”.
في إبريل 1998، خاطب رئيس الحكومة نتنياهو المؤيدين المسيحيين لمنظمة التحالف الوكني الوحدوي من أجل إسرائيل” بمن فيهم كاي آرثر وتيري هيوسن (نادي ال700) وبيج باترسون رئيس المحفل المعمداني الجنوبي وآخرين.. .وتحدث في هذا اللقاء أنه على السابقين أن يؤيدوا إسرائيل وطالب إسرائيل بامتلاك القدس كلها.
بنهاية الألفية رفع البعض شعار: “أن قانون الله لابد من أن يعوا أسي قوانين بشرية “بقصد تحقيق النبوءات بكامها.
5. خاتمة:
لاشك أنه بوصول الرئيس بوش إلى رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية في يناير 2001 إنما يمثل وصولاً لليمين المسيحي للمشاركة في الحكم(40) يعني بكل وضوح دعماً مطلقاً لإسرائيل ويعلن أنصار هذا الاتجاه بضرورة ألا تقحم الإدارة الأمريكية نفسها في محادثات السلام وأن تأييد إسرائيل مسألة يأمر بها الكتاب المقدس بل يشجعون إسرائيل على ضرورة الحفاظ على الأراضي الفلسطينية لأن الله يأمر بذلك. ولعل قدرة اليمين الديني والصهيونية الدينية في أمريكا على التنظيم قد سمحت بطريقة منهجية أن تحصل على الدعم من كل المستويات التنظيمية في الدولة فلا يمكن إغفال تأييد دعم غالبية حكام الولايات الأمريكية حيث أعلن 42 حاكم ولاية في يونيو الماضي “أن شعبي الولايات المتحدة وإسرائيل بنيا صداقة على القيم المتبادلة من التسامح والحرية والديموقراطية، وعندما تستهدف هذه القيم في مكان ما، فإنما هي مستهدفة في كل مكان”. وحتى الآن لم يتمكن التيار الرئيسي في الجسم الإنجيلي من التصدي للتيارات الأصولية والمتصهينة التي تتعاون مع جماعات الضغط اليهودية في استمرار التعبئة لصالح إسرائيل حيث تتلاقى الطروحات السياسية بالتفسيرات الدينية على قاعدة “الوعد والأرض والملك”.
ونجد أن المتشددين الأمريكيين قد أطلقوا مع مطلع 2002 حملة عنوانها: “تبني مستوطنة”، حيث أن قناعتهم هو أن الله وهب الضفة الغربية وغزة للشعب اليهودي في الأزمنة القديمة.
وفي الأسبوع الأخير من شهر إبريل الماضي قال نائب زعيم الأغلبية في مجلس النواب توم ديلاي: “أن كل الضفة الغربية
، التي دعاها يهودا وسامرا (بحسب الأدبيات التوراتية) تخص إسرائيل”.
كان من العسير الإلمام بكل التفاصيل ولكن في حدود ما هو متاح حاولنا رسم ملامح أساسية عن عمق العلاقة بين الاتجاه الصهيوني ذات الديباجية المسيحية أو التوظيف المسيحي، بحسب تعبير د. المسيري، والذي قبل أن يخرج عن الإيمان المسيحي ويقبل بأفكار عنصرية تجعل من الله ملكاً لفئة قليلة وتجعل من الدين مرادفاً للقومية والعرق ومن الإيمان محدداً بأرض بعينها، وهو أمر ترفضه الكنائس الشرقية برمته بل تعتبره تقيضاً للإيمان المسيحي.
قائمة بأهم المنظمات الصهيونية المسيحية الضاغطة:
مسلسل | اسم جماعات الضغط |
1 | المائدة المستديرة الدينية. |
2 | مؤتمر القيادة المسيحية الوطنية لأجل إسرائيل. |
3 | مسيحيون متحدون من أجل إسرائيل. |
4 | البنك المسيحي الأمريكي لأجل إسرائيل. |
5 | منظمة الكونجرس المسيحي الوطني. |
6 | الائتلاف الأمريكي للقيم التقليدية. |
7 | وسطاء من أجل إسرائيل. |
8 | اللجنة المسيحية الأمريكية لأجل إسرائيل. |
9 | رابطة الصهيونية المسيحية لدعم إسرائيل. |
10 | رابطة الصداقة الإسرائيلية الأمريكية. |
11 | تاف الرعويات الإنجيلية (تاف هي الحرف الأخير في الأبجدية العبرانية) |
جدول رقم (1)
الكنائس الإنجيلية
*المعمدانيون الجنوبيون | 15.160.308 | 10.49% |
الميثوديست المتحدة | 8.340.954 | 5.48% |
*كنيسة يسوع المسيح – المورمون | 5.208.827 | 3.42% |
الإنجيليون اللوثريون | 5.125.919 | 3.37% |
المعمدانية | 3.500.000 | 2.30% |
المشيخية | 3.485.332 | 2.29% |
مجامع الله | 2.577.560 | 1.69% |
اللوثرية (ميسوري) | 2.554.088 | 1.68% |
المعمدانية الوطنية التقدمية | 2.500.000 | 1.64% |
كنيسة الميثوديست الأفريقية الأسقفية | 2.500.000 | 1.64% |
الإرسالية المعمدانية الوطنية | 2.500.000 | 1.64% |
الكنيسة الأسقفية | 2.311.398 | 1.52% |
*الخمسينيون | 1.500.000 | 0.99% |
*كنائس المسيح | 1.500.000 | 0.99% |
الكنائس المعمدانية | 1.436.909 | 0.94% |
الكنيسة المتحدة في المسيح | 1.377.320 | 0.91% |
*كنيسة الميثوديست الأفريقية الأسقفية zion | 1.296.662 | 0.85% |
زمالة الكتاب المقدس المعمدانية الدولية | 1.200.000 | 0.79% |
الكنائس المسيحية وكنائس المسيح | 1.071.616 | 0.70% |
*شهود يهوه | 998.166 | 0.66% |
الكنائس الأرثوذكسية
الكنيسة الأرثوذكسية في أمريكا | 1.000.000 | 0.66% |
الكنيسة اليونانية الأرثوذكسية | 1.500.000 | 0.99% |
الكنائس الكاثوليكية
الكنيسة الكاثوليكية | 63.683.030 | 41.86% |
جدول رقم (2)
*باحث معني بقضايا المواطنة والشأن القبطي واليمين الديني في أمريكا.
مستشار مركز الفسطاط للدراسات
له كتابات في: الغرب والمسألة الدينية في الشرق الأوسط.
الأصولية البروتستانتية والسياسة الخارجية الأمريكية
المواطنة في الخبرتين المصرية والغربية
المراجع
- (1) كرين برينتون، تشكيل العقل الحديث، (ترجمة شوقي جلال)، سلسلة عالم المعرفة عدد(82)، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، 1984، ص 79.
- (2) جورج سباين، تطور الفكر السياسي، الكتاب الثالث، ترجمة د. راشد البراوي، دار المعارف، مصر، 1971، ص 494.
- (3) جورج سباين، المرجع السابق، ص 495.
- (4) ما هي الصهيونية المسيحية الأصولية؟، نشرة صادرة عن مجلس كنائس الشرق الأوسط، 1991، ص 16.
- (5) عفيف فراج، اليهودية بين حضانة الشرق الثقافية وحضانة الغرب السياسية، دار الآداب بيروت، 2002، ص 159.
- (6). Barbara Tuchman, Bible and Sword: England and Palestine from the Bronze Age to Balfour, N. Y. University Press, 1956, op. cit. ,p. 80 & 86.
- (7). ماكس فيبر، الأخلاق البروتستانتية وروح الرأسمالية، ترجمة محمد على مقلد، مركز الإنماء العربي، بيروت، د. ت.، ص 139 و 140.
- (8). Cecil Roth, Essays and Portraits in Anglo – Jewish History, Philadelphia: Jewish Publication Society of America, 1962, p. 11
- (9). يوسف الحسن، البعد الديني في السياسة الأمريكية تجاه الصراع العربي – الصهيوني (دراسة في الحركة المسيحية الأصولية الأمريكية)، سلسلة أطروحات الدكتوراه (15)، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 1990، ص 23 و 24.
- (10). يوسف الحسن، المرجع السابق، ص 24.
- (11). طارق متري، أصول الصهيونية المسيحية، مجلة الغدير، خريف 1991، ص 96.
- (12). د. القس مكرم نجيب، المجيء الثاني للمسيح ونهاية التاريخ، دار الثقافة، القاهرة، 1997، ص 145 وما بعدها.
- (13). د. ق. مكرم نجيب، المرجع السابق، ص 146.
- (14). د. عبد الوهاب المسيري، موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية، المجلد السادس، الصهيونية: النظرية والتطبيق، تحت الصهيونية المسيحية ص 137، والصهيونية ذات الديباجية المسيحية ص 137 – 139، دار الشروق، القاهرة، 1999.
- (15). د. ق. مكرم نجيب، م. س. ذ. ، ص 157.
- (16). طارق متري، م. س. ذ. ؟؟، ص 26.
- (17). يوسف الحسن، م. س. ذ. ، ص 26.
- (18).بول مركلي، الصهيونية المسيحية 1891 – 1948، ترجمة فاضل جتكر، دار قدمس، سورية، 2002، ص 65.
- (19). يوسف الحسن، م. س. ذ. ، ص 28.
- (20). مركلي، م. س. ذ. ، ص 65.
- (21) مركلي، المرجع السابق، ص30.
- (22). جان بيار فيشو، الحضارة الأمريكية، (عربه وقدم له خليل أحمد خليل)، دار الفكر اللبناني، 1992، ص 114.
- (23). يوسف الحسن، م. س. ذ. ، ص 37.
- (24). محمد السماك، الصهيونية المسيحية دار النفائس، 1993، ص 32 و 34.
- (25) يوسف الحسن، م. س. ذ.، ص 38.
- (26). ريجينا الشريف، الصهيونية غير اليهودية: جذورها في التاريخ الغربي، ترجمة أحمد عبد الله عبد العزيز، سلسلة عالم المعرفة رقم 96، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، 1985، 183.
- (27). ريجينا الشريف، المرجع السابق، ص 185.
- (29). يوسف الحسن، م. س. ذ. ، ص 39.
- (30). محمد السماك ، م. س. ذ. ، ص 59.
- (31). ما هي الصهيونية المسيحية الأصولية، مجلس كنائس الشرق الأوسط، ص 20 و 21.
- (32). سمير مرقس، اليمين الديني الأمريكي: المسيرة من التأثير القاعدي إلى المشاركة في السلطة، في السياسة الأمريكية تجاه الإسلام والمسلمين بين الأبعاد الثقافية والحضارية والأبعاد الاستراتيجية، (مع جون إسبوزيتو ورضوان السيد)، تحرير د. نادية محمود مصطفى، سلسلة محاضرات حوار الحضارات (1)، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، القاهرة، 2002، من 149 إلى 176.
- (33). يوسف الحسن، م. س. ذ.، ص 81.
- (34) يوسف الحسن المرجع السابق، ص 79.
- (35). محمد السماك، شؤون الأوسط، عدد 72، مايو 1998، ص 27.
- (36). شرحنا من قبل مسيرة اليمين المسيحي في أمريكا حيث التحول إلى تنظيم نفسه من خلال كيانات المجتمع المدني ليحقق الديني من خلال السياسي والمدني مما جعله في النهاية ينجح للمشاركة في الحكم من خلال الإدارة الأمريكية الحالية. راجع: سمير مرقس، الحماية والعقاب: الغرب والمسألة الدينية في الشرق الأوسط، ميريت، 2000.
- (37). الحرب بين الكنائس الأمريكية والعربية، تقرير مجلس كنائس الشرق الأوسط عن الحركات الإنجيلية الغربية الجديدة حيال الشرق الأوسط، سلسلة المسيحية العربية (3)، دار الوحدة، بيروت، 1988، ص 14 و 15.
- (38). يلاحظ في جدول رقم (2) حجم الكنائس الإنجيلية مقارنة بالكاثوليكية والأرثوذكسية حيث الآخرين ضد الاتجاه السابقي الألفي بالمطلق، كذلك يشار إلى بعض الكنائس البروتستانتية ذات الميل إلى السابقية الألفية وهي التي أشير إليها بعلامة جانبية.
- (39). جريس هالس، يد الله: لماذا تضحي الولايات المتحدة بمصالحها من أجل إسرائيل؟ ترجمة محمد السماك، دار الشروق، القاهرة، 2000، ص 89 و 90.
- (40). سمير مرقس، اليمين الديني، م. س. ذ.
- (41). يمكن مراجعة البابا شنودة الثالث، المسيحية وإسرائيل وتنمية القدس، سلسلة الكنيسة والمجتمع رقم (4)، المركز القبطي للدراسات الاجتماعية، القاهرة، 2001.