فرغت منذ أيام من دراسة عنوانها «العدالة الاجتماعية من منظور المواطنة». ولاحظت عندما بدأت فى إعداد مصادر الدراسة أن المدرسة الألمانية فى علم الاقتصاد لها نصيب الأسد من الكتب التى أثرت فى الفكر العالمى خلال الحقبة الماضية. والتى تخصصت فى نقد ما أفضل أن اُطلق عليه «الرأسمالية الجامحة.. رأسمالية القلة»، أو رأسمالية «شبكة الامتيازات المغلقة». بداية من: «فخ العولمة» (1998).
ومرورا بـ: «اقتصاد يغدق فقرا» (2003)، و«انهيار الرأسمالية» (2009). وأخيرا «صندوق النقد الدولى» (2014). فالقارئ للكتب ـــ وقطعا هناك غيرها العشرات ـــ يشعر أن هناك «تيارا» متبلورا فى «الأكاديميا الألمانية» فى مجال الاقتصاد قد انشغل بدأب على «تشريح» الرأسمالية العالمية فى طبعتها «الليبرالية الجديدة»، تشريحا مس كل أبعادها (الرأسمالية الراهنة): «الفكرية»، و«البنيوية»، و«المؤسسية»، و«تداخلاتها المحلية والكوكبية»، «وتأثيراتها السلبية على الثقافة ووحدة المجتمعات»...، إلخ. المحصلة هى أن العقل الألمانى المعاصر قد قدم لنا رؤية متكاملة عن «رأسمالية مأزومة»؛ تعرضت وعرضتنا إلى ما يقرب من 200 أزمة مالية/ اقتصادية «بوصفاتها» المتنوعة منذ ثمانينيات القرن الماضى.
(2)
وتعكس العناوين الفرعية لكل كتاب جوهر التيار النقدى الرافض للرأسمالية الراهنة. والخطوط العريضة لرؤيته وبنيته الفكرية. وذلك كما يلى: أولا، كتاب فخ العولمة: «الاعتداء على الديمقراطية والرفاهية». ثانيا، كتاب اقتصاد يغدق فقرا: «التحول من دولة التكافل الاجتماعى إلى المجتمع المنقسم على نفسه». ثالثا، كتاب انهيار الرأسمالية: «أسباب إخفاق اقتصاد السوق المحررة من القيود». رابعا، كتاب صندوق النقد الدولى: «قوة عظمى فى الساحة العالمية» فى تكريس اللاعدالة الاجتماعية.. ونفسر قليلا بعض ما تعبر عنه هذه العناوين وأهم أطروحات هذه الكتب.
(3)
«فخ العولمة»؛ كتاب تأصيلى، يتناول قضية العولمة من منظور عقلانى شامل، يحيط بها من مختلف أبعادها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والبيئية والإعلامية والحضارية. بالإضافة إلى المنظور الإنسانى فى معالجة ما يصاحب العولمة من: ازدياد معدلات البطالة، وانخفاض الأجور، وتدهور مستوى المعيشة، واتساع الفجوة بين الفقراء والأغنياء، وتقليص دور الدولة فى مجالات: الصحة والتعليم والخدمات والمرافق. والتعمق فيما أصاب المواطن العادى من أضرار العولمة (اقتصاديا).
(4)
«اقتصاد يغدق فقرا»؛ يشرح ـــ تفصيلا ـــ كيف أمسى اقتصاد الليبرالية الجديدة، يصول ويجول بزعم أن الانفتاح الاقتصادى أفضل الخيارات المتاحة لشعوب العالم. إلا أن الواقع فى كل من: الكونجو، وأستراليا، والمغرب،...،إلخ، يقول غير ذلك. حيث النتائج كانت وخيمة فى الكثير من البلدان. نتائج لا ترقى لأى توقعات تم تسويقها. ومن ثم فمن واجب الدول أن تحدد لنفسها الخلطة المثلى للانفتاح والحماية. خاصة أن التجربة الميدانية تؤكد على «تفكك» المجتمعات من جراء تطبيق روشتة الليبرالية الجديدة، تفكيكا بالمعنى الاجتماعى والطبقى والإثنى. بفعل التفاوتات المتزايدة بين الشرائح الاجتماعية على اختلافها أو ما بات يعرف «باللامساواة» التى أصبحت الملف الأول على جدول أعمال النقاش الكوكبى.
(5)
«انهيار الرأسمالية»؛ كتاب رؤيوى، يحذر من سيطرة الاقتصاد المُحرر من القيود على العالم. وضرورة استعادة الدولة أدوارها من أجل إعادة قدر من الاتزان للمواطنين الذين اختلت مصائرهم. وذلك بمنحهم الشعور بالأمان والثقة، دون وصاية عليهم. وتؤكد التزامها رعاية المنافسة العادلة والعدالة الاجتماعية فى آن واحد. والامتناع عن الاستسلام لما تفرضه السوق. فمن المفترض بل الطبيعى ألا تستسلم الدولة لما تفرضه عليها السوق، فالحكومات وسلطات الرقابة أكثر سلطانا من الشركات العملاقة والمصارف المتنوعة، والمؤسسات الدولية المختلفة. والأولى أنه فى زمن حصار الأغلبية من المواطنين أن تمارس الدولة سلطانها بإصرار أشد ـــ بالقانون ـــ دون مساس بالديمقراطية والعدالة. فى ضوء رؤية تنموية حاكمة تكاملية بين الاقتصاد ببعديه الخاص والعام. فاقتصاد السوق الخاضع للضوابط هو وحده النظام القادر على مواصلة الحياة فى الأمد الطويل. أما الرأسمالية المحررة من الضوابط والقيود فإنها تدمر نفسها بنفسها.
(6)
«صندوق النقد الدولى»؛ ولن أطيل فى عرض أفكاره، نظرا لأننا قمنا بهذه المهمة فى ست حلقات فى إبريل الماضى فى نفس المكان. فقط أشير إلى دراسته 12 دولة تعاطت مع الصندوق. الخلاصة، تأتى أهمية هذه الكتب ـــ وغيرها ـــ من أنها تشكل تيارا مهما فى الفكر الاقتصادى الألمانى له وزنه وقيمته وفاعل فى: الأكاديميا، والإعلام، والثقافة.. من المفيد الاطلاع عليه. ونواصل...