تعثرت المسيرة الحزبية المصرية عن الانطلاق لسببين هما: الأول: ارتباط تأسيس الأحزاب بالدولة. أي أن تأسيسها في عام 1976 جاء بقرار فوقى من الحاكم. والذى جاء راسماً من خلال «هندسة» سياسية عدد الأحزاب واتجاهاتها: يمين (حزب الأحرار) ويسار (حزب التجمع) ووسط (حزب مصر). وفى مرحلة لاحقة قرر الحاكم أن يعيد «هندسة الحياة الحزبية»، وذلك بتبنى نظام الحزبين الكبيرين بتأسيسه الحزب الوطنى وهو في الحكم. ليس هذا فقط بل قام بالتوقيع على عريضة حزب المعارضة التي أنس إليها. أما السبب الثانى فهو تبنى صيغة حزبية حاكمة من عنصرين هما: الحزب الوطنى ممثلاً لـ«الثروة» وفى المقابل الجماعة ممثلة لـ«الدين» منذ 1995، أو ما أطلقت عليه مبكراً: «حكم الثروة والدين».. وهى الصيغة التي استنسختها النخبة بعد 25 يناير- بوعى أو بغير وعى- من خلال الأحزاب الثورية والأحزاب الدينية.
(2)
وبدلاً من أن تستثمر الأحزاب: القديمة والجديدة، على السواء، مرحلة التحول التي أعقبت حراك 25 يناير والذى تجسَّد في الحماس الذي مسَّ كثيراً من المواطنين في أن يعبروا عن أنفسهم وأن يكون لهم نصيب في الشراكة السياسية التي أتاحها الحراك السياسى العام، ومن ثم الاستجابة للفرز الذي جرى بين المواطنين على أساس المصالح الوطنية العريضة. والتطلع لبناء وطن الحرية والعدالة والكرامة. وذلك بإعادة بناء الأحزاب القديمة لنفسها في ضوء التحولات التي طرأت على الواقع المصرى والتخلص من كل التشوهات التي لحقت بها.. كذلك انطلاق الأحزاب الجديدة التي نتجت عن التحولات للتعبير الطبيعى عنها وفق بناء حزبى جديد متحرر من الإعاقات التي طالت الأحزاب القديمة.. بدلاً من كل ذلك نجد الأحزاب القديمة والجديدة على السواء استسهلت الحشد والتعبئة للتجمعات الأولية والكتل التصويتية.
(3)
والسؤال: هل هذا هو دور الحزب؟، وأصلاً ما طبيعة الحزب في الدول التي تبغى أن تنتقل من الحالة الاستبدادية إلى الحالة الديمقراطية، أو بلوغ- بلغة أخرى- الدولة الحديثة. بداية نقول: الحزب هو الوعاء الحديث الشامل لمواطنين من مختلفى المشارب: رجالاً، نساءً، أقباطاً، مسلمين، شباباً، كباراً، مدينيين، ريفيين... إلخ. ولكن تجمعهم مصلحة مجتمعية واحدة: طبقية، إنتاجية، تنموية...إلخ، يدافعون عنها في إطار المصلحة الوطنية العليا. ومن خلال فاعلية المواطنين في الحزب يكون الحزب حاضراً وقادراً على التفاوض في كل ما يتعلق بالقضايا الوطنية.. ولا يزال «الحزب» هو الوسيلة الناجعة لإنجاز التفاوض السياسى- بالرغم من أي عيوب- فيما يتعلق بالحقوق، وتأمين الشراكة السياسية، والتعبير عن موازين القوة السياسية في أي مجتمع.
(4)
والخلاصة، ينبغى تفعيل الحياة الحزبية بوصفها المجال السياسى النشط الذي يعبر عن مصالح الوطن المتنوعة، وتشجيع المواطنين على الانخراط الحزبى. فالحزب، وحده الحزب، هو «الملعب» الذي يمكن أن يجد فيه كل مواطن المساحة الحرة السلمية التي تُمكِّنه مع آخرين أن يدافعوا فيه عن مصالحهم وحقوقهم. ومن خلال الجهد السلمى يتمكن المواطن/ المواطنون من حزب ما من عقد التوافقات مع المواطن/ المواطنين من أحزاب أخرى حول القضايا المختلفة.
(5)
إن الحياة الحزبية «السليمة» هي وحدها المنوط بها تيسير عملية التنافس السياسى، ورفع القدرة على التفاوض السياسى في ضوء إدراك كل حزب للمصالح التي يمثلها، والتى بالضرورة لابد أن تتوافق مع المصلحة الوطنية العليا. وهو التوافق الذي تضمنه حركية الأحزاب الأخرى لفرض صيغة توازن المصالح التي تضمن ألا يتضرر أي مواطن. فالتشريعات التي تتم في غيبة الأحزاب تكون في الأغلب لصالح النخبة المهيمنة مهما كثر الحوار المجتمعى. فالتنافس الحزبى هو وحده الذي يضمن أقل خسائر ممكنة للمواطنين عند الدفع بأى تشريع.
(6)
وعليه، علينا أن نعمل على تنشيط الحياة الحزبية، شريطة أن تؤسس وتعمل وتولد بمعزل عن الجماعات الأولية والمؤسسات الدولتية والجهاز الإدارى.. كما ينبغى أن ندرك أنه لا يمكن أن نستبدل بالحزب أي كيان آخر.. ولا يمكن لأى كيان آخر أن يحل محل الحزب.. كما علينا تفهم موقف الشباب من الأحزاب القديمة، وإن منهم من تفاعل مع الأحزاب بعد 25 يناير، ولكن سرعان ما تم خذلهم.. لذا علينا استعادتهم.. ونواصل.