المسيحيون العرب، قضية ليست جديدة. فلقد كان واقعهم ومصيرهم محل نقاش دائم: إيجابا وسلبا.
وتشير كثير من الأدبيات إلى أن كثيرا من القضايا التى تتعلق بمسيحيى المنطقة مطروحة على الساحة السياسية والفكرية بقوة منذ عرفت المنطقة طريقها للحداثة. وتحديدا بداية من تأسيس الدولة الحديثة ـ وأقصد بها دولة محمد على فى مصر ـ وتوالى تكون الدول المستقلة والتى سبقها/واكبها رسم خرائط جديدة فى المنطقة. لقد كان السؤال المحورى الدائم «أى حضور لمسيحيى المنطقة؟...وكان السؤال يطرح بطريقتين: الأولى حيث يعكس الرغبة فى الحضور الفاعل، والثانية إذ يكشف عن قلق وجودى عميق...وكانت الإجابة دائما تتوقف على اللحظة التاريخية وسياقها المجتمعي...
إلا أنه ومع تزايد أحداث التوتر فى المنطقة منذ مطلع التسعينيات، زاد الاهتمام بمسألة “المسيحيين العرب”؛ داخل المنطقة وخارجها. فيمكن رصد عشرات الكتب(راجع دراستناالمسيحيون العرب ما بين “الرجاء الحي” و“أطلنطا الغارقة” إطلالة على خريطة الأدبيات المعاصرة) واللقاءات التى تتناول هذا الموضوع. فهناك اللقاءات المؤسسية التى نظمها مجلس كنائس الشرق الأوسط واتحاد الطلبة المسيحيين العالمي، ومركز عصام فارس ببيروت، والفريق العربى للحوار المسيحى الإسلامي،...،إلخ. كما تنامى الاهتمام الأوروبى بهذا لموضوع منذ منتصف التسعينيات. ونذكر فى هذا المقام لقاء معهد أنيللى الإيطالى الممول من شركة فيات، و لقاءات جمعية سانت إيجيديو المتعاقبة (فى الألفية الجديدة) بروما وهى جمعية قريبة من الفاتيكان)، ومعهد العالم العربى بباريس، ومجلس كنائس أوروبا،...إلخ،.
فى هذا السياق نظم البيت العربى بمدريد(تأسس عام 2006 لتعزيز وتنشيط الدبلوماسية الإسبانية وإنعاش العمل الدبلوماسى مجموعة مؤسساتية عمومية إسبانية تمارس نشاطها تحت إشراف وزارة الشؤون الخارجية والتعاون. هذه المؤسسة تلعب دورًا استراتيجيًا فى تعزيز العلاقات الإسبانية العربية)؛ندوة تحت عنوان”مسيحيو الشرق والعالم العربي”، فى الفترة من 15 إلى 17 ابريل الماضي، حيث شاركنا بمساهمة عنوانها:”.»مسيحيو المنطقة من منظور المواطنة لا «الذمية» أو «الملية لجديدة»؛
فى البدء أشرنا إلى أنه: “ليست هناك لغة واحدة أو قومية واحدة جامعة بين مسيحيى المنطقة. حتى الوصف الجغرافى نجده يتغير بتغير السياق الدولى وبحسب من يقوم بالوصف كما يلي: المسيحيون العرب، مسيحيو الشرق، مسيحيو الشرق الأوسط، مسيحيو المشرق، الأكثر أن هناك من كان يستخدم حتى الخمسينيات من القرن الماضى تعبير “مسيحيو الشرق الأدنى”، أخذا فى الاعتبار أن كل وصف سوف يترتب عليه خريطة مغايرة والتزامات إقليمية مختلفة...فهناك من قبل بنظام الملة كوحدة سياسية وهناك من قبل بأن يكون منخرطا فى الحركة القاعدية الشعبية مع المسلمين فى مواجهة الإثنية الحاكمة الوافدة بالرغم من تماثلها المذهبى /الدينى مع مسلمى هذه البلاد...،إلخ.
ولا يمكن ان نتغافل عن المقاربة التى فى ظنى التى يحمل عبء تبلورها كل من الإسلام السياسى والغرب الاستعمارى الاستشراقى /والاستشراقى المعدل وأنظمة الحكم ما بعد 1967 فى النظر إلى المسيحيين كجماعات دينية متماثلة العناصر والتعاطى مع كبيرها فى استعادة “لملية جديدة” كان قد تجاوزها المسيحيون ـ نسبيا بحسب كل حالة على حدة ـ فى فترات النهوض والاستقلال.
بيد أن الجامع ـ يقينا ـ بين المسيحيين فى المنطقة، هو أنهم سكان أصليون انخرطوا بتنويعاتهم الإثنية فى المسار التاريخى للمنطقة وأسهموا فى رسم ملامحها الثقافية والحضارية “والهوياتية”.وخاضوا معاركها الصليبية الوافدة والصهيونية والاستشراقية القديمة والجديدة والمعدلة. وكانوا فى مقدمة المناضلين من أجل الاستقلال الوطني...والأهم وقد كانت المنطقة مهبطا للوحى المسيحى أن حفظوه وقدموه للعالم والأهم قاموا بتعريبه..
وعليه سوف تكون مقاربتنا هى ما يمكن أن نطلق عليه: “سؤال السياق المجتمعي”، أو سؤال حركة المسيحيين المجتمعية: “حضورا وغيابا”، وهو يقوم على معيارين هما: الأول مدى التفاعل المجتمعي، والثانى القبول بالتعددية الواقعية، والعكس...
إن الحياة المشتركة بين مسيحيى المنطقة ومسلميها،لم تكن مجرد تعبير عن وجود فيزيقى بقدر ما كانت تجسيدا لتفاعلات مركبة تتراوح بين الشراكة والتوتر والخصومة والعنف بحسب السياق التاريخى بعناصره المتعددة والمتداخلة: المنظومة الاقتصادية، النظام السياسي، الصراع مع الغرب،...الخ.ومن ثم النزوع إلى التكامل والاندماج أو الرجوع إلى العزلةوالانكفاء.
وعليه وبالرغم من أى تراوح فإن القطعى هو حرص المسيحيين على التكلم اللغة نفسها:Ethnolinguistic؛ والقبول بالتفاعل الثقافى الحضارى المركب كمنظومة عليا للوطن Ethnocultural؛ والرضا بشرعية واحدة حاكمة توافقية وولائية دستورية ناظمة للمواطنة على قاعدة المساواة فى إطار دولة واحدة Ethnopolitical.