(1)
لعل من أهم ما جاء فى لقاء الرئيس بالمثقفين هو ما جاء على لسانه من: «أن القيادة السياسية قبل فبراير 2011، وعلى مدى ثلاثين سنة، قد (جابت البلد على الأرض)..» وهو ما أوافق وأؤكد عليه. وأشهد عندما كنت محافظا لشمال القاهرة، ولمدة عام من أغسطس 2011، أننى رأيت ما آلت إليه الخدمات والمرافق. وإنه على الأقل تم إهمالها منذ نهاية الألفية. ولعل من ملامحها على سبيل المثال لا الحصر: «تفكيك حافلات النقل العام لحساب أفراد. حيث رأيت بعينى ما يقرب من 200 موتور على الأرض تم رفعها من الحافلات لأسباب متنوعة منذ سنوات وعدم عودتها لأماكنها حتى سبتمبر 2011 دون تفسير» أو «سر عقود الشركات الأجنبية التى تجمع القمامة فى القاهرة والتى
تم توقيعها فى 2005 وتم تجديدها فى 2007 بالرغم من عدم كفاءتها. وسر الاستمرار وتراجع الهيئة الوطنية».. وأذكر أننى قلت فى حديث تليفزيونى مع الأخ جمال الكشكى (أغسطس 2011)، بأن «مصر فى محنة وأن الأوضاع بائسة». وأنه لا يمكن أن نخطو إلى الأمام مالم نعترف بالأوضاع وتتم تعبئة المواطنين. ظنا منى أن هذا هو المدخل لبناء مصر جديدة. بيد أن هناك من كان له مصلحة فى الإيحاء بأن 25 يناير هى السبب فيما نحن فيه.. وأنه لابد من عودة الأمور لنصابها واستعادة أيام الاستقرار… لذا أؤيد تماما النهج الرئاسى الشارح للأوضاع دون تجميل…
(2)
ولعل هذا الاتجاه بالمصارحة سوف يواجه برفض أو «بغلوشة» من قبل ما أطلق عليه «شبكة الامتيازات المغلقة».. وهى الشبكة التى أشرت إليها فى 2009 وعلى مدى مقالين فى «المصرى اليوم». وهى الشبكة التى تتكون من عناصر من قلب السلطة السياسية وبعض المختارين بعناية من رجال المال ـ على حساب الأكثرية ـ مُنحت فرصا احتكارية حصرية فى مجالات الاستيراد، والمضاربة العقارية، والمالية، مكنتها من احتجاز 70% من المغانم، والعوائد، بالرغم من أن هذه الشبكة تمثل أقل من 10% من سكان مصر. وهو ما دفع مكتب البنك الدولى فى شمال أفريقيا والمغرب العربى ـ آنذاك ـ أن يشير إلى هذه الأزمة فى تقريره السنوى. وأوصى بضرورة فتح هذه الشبكة لأجيال شابة من رجال الأعمال. ومنح فرصا استثمارية لشرائح اجتماعية أوسع. بالطبع دون أن يتحدث عن العدالة الاجتماعية. وقد كان لنا شرف عرض هذا التقرير على حلقتين فى «المصرى اليوم» فى 2009 وأن يلهمنا صك تعبير «شبكة الامتيازات المغلقة».. وظنى أن حراك 25 يناير كان موجها بالأساس لتوسيع دائرة الشراكة فى السلطة والثروة. إلا أن انتخابات نوفمبر 2010 قد جاءت نحو مزيد من «التمترس» و«الانغلاق» لشبكة الامتيازات، استعدادا للمزيد من احتجاز المال…
(3)
وما إن انطلق حراك 25 يناير،حتى تبين أن هذه الشبكة باتت عنصرا فاعلا فى المعادلة السياسية. وما بين حراك يناير وتمرد يونيو كانت تكمن فترة، وتظهر فترة أخرى حسب الأحوال.. وتبين بعد 30 يونيو أنها تريد أن تعيد الأوضاع إلى ما كانت عليه فى 2010. وأتصور أنها كانت الفاعل الأساسى فى فض تحالف 30 يونيو. ثم فى إعاقة الكثير من الأمور بطرق متنوعة…منها إشاعة الحديث عن التأميم، أو التخويف من تدخلات الدولة، وفى نفس الوقت توظيف شريحة من الجهاز الإدارى لحسابهم، والأخطر الاستقواء بقوى مالية خارجية،…،إلخ. والمفارقة، فى هذا السياق، التشكيك فى أى قوة مدنية/ سياسية تحاول التعاطى مع الشأن العام والتخويف منها. وهو أمر يتناقض مع ما تدعو إليه من حرية اقتصادية كما يعطل التحول الديمقراطى كثيرا…
(4)
ستظل هذه الشبكة عائقا لأنها تساوم على استعادة الماضى لا على بناء المستقبل…أى على احتجاب مصر وإقعادها.. وأظن أن القوى السياسية والمالية والفكرية الوطنية التى تحالفت معا فى 30 يونيو قادرة على أن تجدد تحالفها من أجل أن يقوم الوطن. ما يستدعى من القيادة توسيع دائرة الشراكة لاستيعاب الجميع.. ونواصل…