فؤاد حداد وثلاثة رؤساء...(1)

(1)
«مصر ولادة»؛ أول خاطرة حضرتنى بعد أن فرغت من كتاب الدكتور سيد إسماعيل ضيف الله: «صورة الشعب بين الشاعر والرئيس». وهى رسالته للدكتوراه التي تقدم بها حول قراءته لخطاب الشاعر الكبير فؤاد حداد ورؤساء مصر: ناصر، والسادات، ومبارك.. ولعل السؤال الذي يطرح نفسه هو: لماذا رددت تعبير مصر ولادة؟.. لهذا السؤال قصة، أظنها بالغة الدلالة. بداية أنا لم أكن أعرف سيد ضيف الله بحسب ما يوقع على مقالاته بإحدى الصحف العربية، حيث كنت اقرأ له ما يكتبه فيها من حين لآخر، منذ أكثر من سنتين تقريبا. سعدت بالكاتب الذي لا أعرفه. وأنا في هذه اللحظة يتملكنى شعور «كشافى الكرة» الذين يفرحون باكتشاف المواهب الكروية ويفرحون بانضمام موهبة جديدة لكوكبة المواهب السابقة.

وتصورت أنه أحد الكتاب المخضرمين لما يقدمه من أفكار جادة ومبدعة برصانة وتركيز يضاهى كبار الكتاب الذين عرفناهم على مدى عقود وعهود. إلا أننى كنت أشعر أن هذا الكاتب على الرغم من رصانته إلا أنه يقدمها «بنفس معصرن». وكعادتى عندما أتعرف على كتابة متميزة من هذه النوعية أحاول أن أعبر لها عن تقديرى واحترامى. فحاولت أن أبحث عن «سيد ضيف الله». فلم أتمكن من الوصول إليه. مرت الأيام ووجدته يحادثنى ليدعونى لإلقاء محاضرة على طلبته بالجامعة الأمريكية. وافقت، وفى الموعد المحدد التقينا ووجدته شابا في الثلاثينيات من عمره. عرفنى على نفسه وأهدانى كتابه الذي عكفت على قراءته في أسبوع…

(2)

كان من المهم أن أسرد هذه القصة لعدة أسباب منها أولا: كيف أن هناك أجيالا مبدعة حاضرة بيننا لا نعرف عنها شيئا. ثانيا: أنه ليس لدينا خريطة معرفية متجددة تتابع وتوثق وتعرف بمبدعينا الجدد وإبداعاتهم. ثالثا: أن الاعتراف ـ يبدو لى ـ بالأجيال الجديدة تشوبه إعاقات غير قليلة. بدليل أن الانطباع الأول الذي تسلل إلىّ بحكم الثقافة السائدة والصور النمطية المهيمنة التي نحاول الخروج عليها، قد أوحى لى ـ لوهلة ـ عندما اطلعت على ما يكتبه سيد ضيف الله في مقالاته الصحفية هو أنه كاتب كبير السن.. ولكنه لم يكن. فهو من جيل يقدر من سبقه ويدرك إنجازات من أنجز منهم. ويفكر ويبدع «بروحية متحررة من قيود ومحاذير وأبوية كهنة/ حراس معبدالفكر المصرى».

(3)

لذا، رسالته مبتكرة. فهى ليست رسالة نمطية في الأدب أو غارقة في التقنيات الأدبية. وإنما هي رسالة ـ ونحن نحاول أن نبسطها للقارئ الكريم دون الإخلال بمضمونها ـ تحاول الاقتراب من رؤية الشاعر الكبير فؤاد حداد «للناس/الشعب/الجماهير/المواطنين»، وتطور هذه النظرة عبر ثلاثة عصور سياسية. وفى المقابل عرض لكيف ينظر ثلاثة رؤساء جمهوريات متعاقبون في مصر للشعب والجماهير. الرؤساء هم: ناصر، والسادات، ومبارك…النص ممتع وسلس ومركب في آن واحد، وجرىء أيضا…لماذا؟

(4)

أولا: يعكس مدى تأثير الواقع السياسى على إبداع الأديب. ثانيا: كما يرصد مدى اشتباك هذا الأديب مع الواقع بتفاعلاته. ثالثا: إلى أي حد يؤثر الإبداع الثقافى على السياسيين ومن ثم خطابهم السياسى، وقدر التوافق والاختلاف بينهما، ومتى ولماذا يقتربان من التوافق أو يبتعدان اختلافا. رابعا: يقدم لنا من محصلة الإبداع الثقافى والفعل السياسى إطلالة على التاريخ من خلال النص الإبداعى والنص السياسى. بالإضافة إلى ما سبق فإن الرسالة، حصرا، عن أحد كبراء شعر العامية في مصر ألا وهو: «فؤاد حداد». ما يعد كسرا لتقليد بليد وعنيد لا يعترف بشعر العامية.. الخلاصة، و«تحديدا»، بحسب الدكتورة فريال غزول في مقدمتها للكتاب: «وأما ريادة البحث فتحديدا تكمن في توظيف نهج نقدى أصبح يعرف بالنقد الثقافى.. لأنه يعتمد على علوم معرفية متعددة تتداخل فيما بينها لتضىء النص، فالنقد الثقافى أقرب ما يكون إلى مساحة تتسع لتشمل توجهات نقدية وفكرية تتقاطع فيما بينها. إنه ميدان تتحاور فيه منطلقات نظرية معقدة لتشريح نصى مركب».. ما يعنى أن من يتصدى لمعالجة موضوع وفق نهج من هذا النوع لابد أن يتسم بالموسوعية التي تتجاوز النقد التقنى الضيق. كذلك الإلمام بجديد الحقول المعرفية التي انقطعت عنها المؤسسة الأكاديمية على مدى أربع موجات معرفية على الأقل في تقديرنا.

(5)

في هذا السياق، استحضر المؤلف إبداعات فؤاد حداد في عهود: ناصر، والسادات، ومبارك. وفى المقابل الخطابات الرئاسية المتعاقبة. وقام بتحليل النصوص ومنها فهم ملابسات وتعقيدات كل مرحلة تاريخية من حيث: موقف المثقف من السلطة، وموقف الحاكم/ السلطة من الواقع وفى القلب منه الجماهير/ المواطنون. وما الذي يعكسه كل من الخطابين حول: الحالة الثقافية، وعلاقة الحاكم بالمحكومين وكيف يراهم: مواطنين أم رعايا؟… كذلك وضع مشروع الحداثة/ التحديث المصرى في المحصلة.. قام سيد ضيف الله بجهد كبير في كتابه الصادر بدار كتب خانة ـ 2014. نقدم بعضا من هذا الجهد في مقالنا التالى.. ونواصل…

 

طباعة   البريد الإلكتروني
0
0
0
s2smodern