(1)
فى الأسبوع الأول من مارس 2011، وكنا لم نزل نعيش نشوة أسابيع الأمل التى تحدثنا عنها الأسبوع الماضى. دعت جماعة «مصر المتنورة» إحدى الجماعات المدنية والسياسية العديدة التى شكلها المواطنون من النخبة السياسية والمدنية المصرية، إلى ندوة حول الاستفتاء على التعديلات الدستورية الذى كان نظم فى 19 مارس من نفس الشهر. كانت الاستجابة إلى الندوة فوق التوقع وخاصة وبحسب ما قاله لى أحد المنظمين إن الموافقة على عقد اللقاء كانت حاضرة فلم يتطلب الأمر موافقة أمنية. وتم المرور بسهولة ويسر دون أى مشاكل. حضر ما يقرب من 1000 مشارك جاءوا
لحضور الندوة مدفوعين بالأمل بأن التغيير قادم لا ريب فيه. ومن ثم لابد من الحضور لأنه واجب وطنى أن يشاركوا فى عملية التغيير. كانت المنصة تجمع بينى وبين العزيزة سيادة المستشارة تهانى الجبالى القاضية المناضلة، والصديق عمرو حمزاوى، الذى كان فى طليعة المثقفين الذين انخرطوا عمليا فى الحراك السياسى.. وبعد تحليلات مطولة من المتكلمين حول ما جرى وحول طبيعة وأهمية التعديلات الدستورية جاءت تساؤلات الحضور.. والتى عكست الكثير والكثير من طبيعة المرحلة التى نحن مقدمون عليها.. عنوانها العريض: ماذا بعد الأمل؟
(2)
كشفت الحوارات المتبادلة والتى طالت إلى وقت متأخر عن العديد من الملاحظات. أولها: هو حداثة العمل السياسى بالنسبة لقطاع عريض من شرائح الطبقة الوسطى التى شاركت انطلاقا فى ضوء زخم حراك 25 يناير، لذا حاول الكثيرون أن يستنطقوا المتكلمين فى أى اتجاه عليهم أن يدلوا بأصواتهم فى الاستفتاء.. ثانيها: هو الشعور بأن التغيير متى انطلق لابد من جنى ثماره فورا. وكأنها مباراة من جولة واحدة، ولابد من غالب ومغلوب. ولم تكن فكرة أن التغيير عملية ممتدة تتوقف نتائجها على الاستمرار فى النضال، والقدرة على التنظيم السياسى والمدنى بما يخدم التحول الديمقراطى المنشود، ثالثها: غياب تصور محدد لإدراك من هم الحلفاء، ومن هم الخصوم على المستويات: الطبقية، والسياسية،.. إلخ. حتى يمكن تحديد المواقف.. رابعها: عدم نجاح الزخم الجماهيرى فى الضغط فى اتجاه وضع خريطة طريق منطقية للتحول الديمقراطى، ما أدى إلى الدخول فى فترة شهدت «عراك» متعدد المستويات… لذا كان الاستفتاء نقطة فارقة، جاءت مبكرة جدا، بعد مرحلة أسابيع الأمل، نقلتنا إلى شهور (15 شهرا من استفتاء مارس 2011 إلى انتخابات الرئاسة فى يونيو 2012 )، يمكن أن نصفها بثلاثة أوصاف كما يلى: «الجدال» و«السجال» و«النزال»…لماذا؟
(3)
«جدال» حول خارطة الطريق، وحول تصورات القوى السياسية لدستور مصر، حيث رصدنا ما يقرب من 10 محاولات مؤسسية وفردية لوضع تصور لدستور البلاد، وبالرغم من إيجابية المبادرة وتنامى الاهتمام بأهمية الدستور، إلا أن الواقع شهد مساحة من المناورة كبيرة امتنع بسببها التوافق المرجو الذى هو أساس النص الدستورى. و«سجال» سياسى فرق بين المواطنين الذين توحدوا حول مطالب 25 يناير، ما أعادهم إلى خنادقهم الأيديولوجية الضيقة، لذا رأينا تقسيمات من عينة: السلفيين والمدنيين، الدينيين والمدنيين،…،إلخ. وهو الأمر الذى أتاح الفرصة مرة أخرى لرموز القديم ممن تم الحراك ضدهم لأن يستعيدوا مواضعهم الأثيرة. وقد عجلت العملية الانتخابية باستعادة المشهد الانتخابى القديم ومن حضور لافت للثروة والدين مرة أخرى. بيد أن هذا لا ينفى أن الاستثناء غير القليل كان حاضرا بفعل الكتلة الجديدة التى آمنت بالتغيير وراهنت على الأمل والتى كانت ذروة حركتها فى الجولة الأولى من انتخابات الرئاسة (وهو ما نشرحه فى مقال آخر). و«نزال» تجسد فى المواقع المتتالية التى ذهب ضحيتها زهور وطنية بفعل فاعل: البالون، وماسبيرو، ومحمد محمود، وبورسعيد،… إلخ.
(4)
شهور صعبة وأليمة، عنوانها الكبير «الصدام»…الصدام بين ثلاث شرعيات: الميدان، والبرلمان ونواصل..، والديوان… تم دفع البلاد إلى السير فى ثلاثة مسارات فى آن واحد.. بين استكمال الحراك الثورى، وخوض انتخابات برلمانية، وتسيير البلاد بمنطق بيروقراطى وكأن شيئا لم يحدث وعليه لابد من العودة إلى ما كنا عليه…