مصر تواجه استراتيجية «المناطق الحيوية»

فى غمرة انشغالنا بتفاعلات الحراك الثورى الداخلى.. أهملنا ما يجرى فى الإقليم، كما ابتعدنا عن جديد الاستراتيجيات العالمية والصراعات والتنافسات الكونية المتحورة والمتجددة.. تماما مثلما استقلنا عن معرفة جديد العلم فى كل المجالات دون استثناء.. وربما يكون من المفيد أن نحاول الاقتراب مما يحدث إقليميا ودوليا.

●●●

نقطة البدء لدينا ما طرحته استراتيجية الأمن القومى فى أعقاب ما جرى فى سبتمبر 2001، حيث تبلورت رؤية حاكمة للعالم تتضمن ستة عناصر وذلك كما يلى: أولا: السيادة الأمريكية فى العالم فى شتى المجالات، ثانيا: تحقيق المصلحة القومية الأمريكية بشتى الوسائل، ثالثا: النموذج الأمريكى هو النموذج الذى يجب أن يحتذى، رابعا: سيادة النظرة الأمريكية الواحدية للعالم وللتاريخ على المستويين القومى والدينى، خامسا: تطبيق مبدأ الخيار صفر فى العلاقات الدولية، حيث لا شيء قابل للمساومة، سادسا: تقسيم العالم إلى مجالات حيوية هي:

الصين روسيا ثروات آسيا دور أوروبا الشرق الأوسط…(لمزيد من التفاصيل راجع كتابنا: الإمبراطورية الأمريكية: ثلاثية الثروة والدين والقوة)…

وتعد «المجالات الحيوية» مربط الفرس فى التحرك الأمريكى.. ففى هذا يقول بريجنسكي: «لابد من السيطرة على الثروات والموارد فى كل بقعة من بقاع العالم. السيطرة على منطقة أوراسيا: والتى تمتد من البرتغال إلى اليابان مرورا بأوروبا وآسيا الوسطى والشرق الأوسط والصين. والتأكيد على منع المنافسة أو المناهضة من قبل القوى المؤثرة مثل الصين وروسيا».. وفى سبيل تحقيق ذلك يمكن استخدام القوة متى لزم الأمر.

فى هذا السياق لعب رامسفيلد دورا بارزا فى أن تأخذ أمريكا باستراتيجية جديدة تحقق ما سبق ألا وهى: تحقيق الردع فى أكثر من مكان يمثل تهديدا للولايات المتحدة الأمريكية (أربع مناطق) أو ما عرف Deterrence in Critical threats(راجع دراسته: Transforming The Military).. بيد أن هذا الأمر يحتاج إلى معاونين يتحملون مسئولية هذه المناطق الحيوية لصالح الإمبراطورية الأمريكية.. خاصة أن درس التاريخ يقول إن تورط الإمبراطوريات فى كل شيء يسرع بانهيارها (راجع امتداد الإمبراطورية العثمانية المطرد بداية من 1517 سرعان ما بدأ فى الانهيار مع الامتيازات الاجنبية التى بدأت فى 1579وتوالت).

●●●

وإذا عدنا إلى الشرق الأوسط كمجال حيوى، وبحثنا من تولى مسئوليته تحت رعاية أمريكا بالإضافة إلى إسرائيل الراعى الدائم، لابد من تذكر عدة أمور:

• كيف كرست حرب يوليو/ تموز 2006 الحضور الإيرانى فى المنطقة فى ظل صمت تركى.

• والحرب على غزة 2009 حضورا تركيا وصمتا إيرانيا.

وبدأ يتم تبادل الأدوار فى أكثر من موقف، فى ظل التراجع العربى بشكل عام والمصرى بشكل خاص.. إلى أن وصلنا إلى موقعة الأسطول «الحرية». وبقدر ما كشفت إسرائيل عن استكبارها باستخدام مفرط لقوتها فى مواجهة مجموعة من المدنيين استقلوا الأسطول «الحرية» لفك الحصار بعض الشىء عن غزة.. بقدر ما أوضحت هذه الجريمة البشعة عن طبيعة المعادلة الإقليمية الجديدة وعن عناصرها الفاعلة.. خلاصتها تفكيك النظام الإقليمى العربى لصالح نظام إقليمى جديد.. وذلك بحضور تركى إيرانى فى المنطقة بالإضافة إلى إسرائيل كى يحل محل النظام الإقليمى العربى.. تطور الأمر بعد ذلك ان قبلت لحقت بعض الدول العربية لتعمل تحت مظلة كبار المنطقة.

ونذكر أننا قد أشرنا مبكرا فى أكثر من موضع كيف أن هذه المعادلة قد تم طرحها فى التقرير الذى قدم إلى بوش فى مستهل ولايته الأولى من خلال التقرير المعنون «الإبحار فى مياه مضطربة» 2000، حيث جاء فيها ما يلى:

• إن إسرائيل هى الدولة القوية الوحيدة التى تتمتع باقتصاد حداثى يمكنه من المنافسة عالميا.. وإنها تمتلك قدرة نووية فاعلة قادرة على الردع،

• وأنه لن يفضل من الوحدة العربية سوى الشعار.

• تزايد التوتر المذهبى بين السنة والشيعة فى المنطقة،

• تأسيس كيان إقليمى للدول المجاورة للعراق فى طبعته الأمريكية (ليس عربيا خالصا حيث يضم تركيا وربما إيران).

• تبنى مفهوم الشرق الأوسط واستبعاد مفهوم النظام الإقليمى العربى.

• ولا بأس من تجربة الحكم الدينى للسيطرة على الحركيات الدينية العنفية،

تم ذلك توطئة لتحقيق أهم ما جاء فى الوثيقة المذكورة باعتبار: «إسرائيل وتركيا وإيران، نعم إيران، الدول الثلاث الجديرة بقيادة المنطقة لأنها تمتلك نظما سياسية هى الأكثر حيوية وديناميكية وفاعلية فى المنطقة».. ولا مانع أن تلتحق بعض القوى ذات الفائض النفطي/ المالى بأعمدة المنطقة الحيوية.

●●●

فى أثناء ذلك انطلقت الحراكات العربية ومن ضمنها مصر. وبقدر ما عكس الحراك المصرى كما أشرنا فى أكثر من موضع، إلى انه حراك فى سياق دولة وطنية حديثة مكتملة المؤسسات.. دولة وصفها برنارد لويس فى فترة بلورة استراتيجية المناطق الحيوية «بالدولة النابوليونية الوطنية»، التى لابد من هدمها (من خلال لقاء هرتزليا 2007وهو أمر لابد وأن نعود إليه لاحقا).. ولأنه حراك فى إطار دولة مهما كان نقدنا لها فلقد كان مقدرا لهذا الحراك أن يقبل بكل الترتيبات الإقليمية من ضمنها: اتفاق غزة (20 نوفمبر والتى وقعت فيه السلطة كضامن للمرة الأولى فيها منذ اتفاق كامب ديفيد)، وأن تقبل ما أطلقت عليه:

«تقاسمها»؛ بين القوى الإقليمية الجديدة الرئيسية والفرعية التى تتشارك بحسابات دقيقة فى قيادة المنطقة الحيوية للشرق الوسط التى تعد للدفاع عن مصالح القوة الكبرى فى المناطق الحيوية الأخرى.

الإشكالية التى لم نلتفت إليها سواء لاستغراق بعضنا بصراعات الداخل.. أو لتنازل بعضنا عن مقاومته التاريخية لهكذا مشروع.. هو أن ثمة تناقضا بين شعوب وراءها دولة عريقة باتت تتحرك من أجل التحرر قليلا من التبعية فوجدت نفسها بالرغم من الشهداء والتضحيات قد تقع فى تبعية أكثر.. وعليه لم تلتفت للصراع الذى يود بعضنا أن يضعنا فيه الثنائى / الاستقطابى ذلك لأن الأمر جد خطير يتعلق بمصر الوطن: الوجود والحدود.

 

طباعة   البريد الإلكتروني
0
0
0
s2smodern