(1)
سألنى أحد الصحفيين عن رأيى فى نتائج الاستفتاء. قلت: كلمة السر هى «الطبقة الوسطى المدينية». وهو ما أشرت له بإيجاز فى مقال الأسبوع الماضى. وسعدت كثيرا بأن الكثيرين قد باتوا يرددون هذه المقولة فى العديد من اللقاءات الحوارية. الطبقة الوسطى المدينية: العمود الفقرى للدولة المصرية الوطنية الحديثة. الطبقة التى عادت إلى السياسة وكانت هى القاعدة الاجتماعية المحركة لـ25 يناير (راجع سلسلة مقالاتنا حول الطبقة الوسطى 7 حلقات خلال يوليو وأغسطس الماضيين وتمثل جزءا من دراسة طويلة). وكان ظهورها المنظم بعد 25 يناير فى استفتاء مارس 2011.
(2)
وبالرغم من أن هذا الاستفتاء قد مثل انحرافة عن الحراك الوطنى الذى انطلق فى 25 يناير إلى عراك دينى/ سياسى، إلا أن هذا الاستفتاء عكس حضورا لافتا فى الأماكن الحضرية المدينية ذات الطابع التعددى، بالمعنى الواسع: الدينى والثقافى والاجتماعى، مثل أحياء: مصر الجديدة والظاهر وشبرا فى القاهرة، ومدن الطبقة الوسطى فى الإسكندرية والجيزة…إلخ. وهو ما تجسد بنقاء شديد فى الجولة الأولى من انتخابات الرئاسة. وأخيرا تكثف بشكل واضح فى الاستفتاء على الدستور سواء بقول لا أو برفض شرعية العملية التى أنتجت النص الدستورى المقترح والمظلة الدستورية والقانونية التى أمنت خروجه قسريا، بما سميته «القبة الحديدية» التى تمثلت فى الإجراءات الاستبدادية والتحصينية، وكأنه يستعيد مبدأ «السلطة لمن غلب» من تراثنا السياسى، والذى تم تجاوزه فى الدولة الحديثة. لذا أصبح الدستور هو دستور الـ15% عمليا وواقعيا.
(3)
فى هذا السياق يمكن رصد العديد من الرسائل التى لم تقرأ جيدا. أولاها أن الطبقة الوسطى بشرائحها – خاصة فى المدن – قد باتت تتحرك/ تمتنع، وتمثل قوة لا تقل عن 75% نصفها متحرك والنصف الآخر ممتنع. وثانيتها أنها تدافع عن مشروع الدولة الوطنية الحديثة المتصالحة مع تراثها الحضارى والدينى وغير متنكرة له. وثالثة هذه الرسائل هى التمسك بالتدين المصرى الحضارى المركب رافضة تدين اللون الواحد: «الأسود المغلق» حيث قاعدته الاجتماعية مالية تجارية ريعية ريفية أصلا. و«الأصفر الضيق» الذى يتكفل بفقراء أحزمة المدن بكل ما يحمل من تفسيرات دينية بعيدة عن دين عموم المصريين. ورابعة الرسائل هى أن مشروع الدستور اجتماعيا واقتصاديا لا يعبر عن طموحات وتوقعات عموم المصريين، أى ليس دستور التيار الرئيسى من المصريين. إنه دستور تحالف اليمين الثورى والدينى بلونيه الأسود والأصفر.
(4)
لقد تحرك الموكب العظيم (بحسب توفيق الحكيم فى عودة الروح).. «فتدفقت موجاته تباعا مرددة الهتافات الوطنية.. لم يفهم أحد إذ ذاك أن هذه العاطفة انفجرت فى قلوبهم جميعا فى لحظة واحدة.. لأن أبناء مصر لهم قلب واحد..».
(5)
هكذا عبرت مظاهرات الاتحادية، ونهضة مصر، وحركات الشباب، ومحاولة «تحويل النظر» بأن المظاهرات ذات لون معين أو التحريض الدينى فى الفضائيات هى لعب بالنار واستعادة لأساليب الأنظمة التى عانينا منها تاريخيا، وكنا ننتقدها بأنها تؤجج الفتن لتحول النظر عن المشاكل.