(1) اتصل بى أحد شباب الثورة أثناء أحداث محمد محمود الأخيرة وطرح على سؤالا نصه: «إيه اللى تغير؟ نفس الممارسات ونفس الخطاب الإعلامى ونفس، ونفس…»، قلت له ما تغير كثير وكثير. ويكفى أنك لم تتصل بى طلبا لمعونة أو توسط. وأنك تهاتفنى وأنت تواصل النضال فى الشارع ضد كل ما هو ظلم واستبداد. وقلت له لقد فجرت فينا 25 يناير طاقات كثيرة على كل الأصعدة بفضل مقاومتكم الدائمة
كما استطاعت أن تجدد طاقة جيلنا وأن تجعلنا نحاز للتغيير والتجديد. فلقد كنا قبل 25 يناير نبشر بالمواطنة كمبدأ وفكرة وقيمة ونهج وأنتم جعلتم المواطنة ممارسة وفعلا بالحركة. والحركة دائما تأتى بالبركة. وذكرت له بيت شعر لصلاح عبدالصبور يقول فيه «يا أهل مدينتنا انفجروا أو موتوا…» فى مواجهة الظلم والقمع والاستبداد…
(2) بعد يومين صدرت حزمة القرارات والإجراءات «التحصينية» المعوقة لأى تحول ديمقراطى، والتى فى مجملها شكلت «قبة حديدية» مانعة للتحول إلا لصالح فئة معينة فى ظل نص دستورى وضع لتكريس «غلبة» جماعة بعينها على حساب وطن بأكمله. نص دستورى به اختلالات – بلغة المحليات تستدعى الهدم – بنيوية عميقة. ولا يغرنك هذه الحملة التى تحاول تسويقه بأنه «أفضل دستور فى العالم» أو … فلقد قرأنا وتعلمنا وشاركنا فى العديد من اللقاءات والمؤتمرات وسمعنا من بعض من يدافعون عن النص الحالى عكس ما يقولون الآن. وليتهم يقرأون الدساتير: الماليزية والتركية واليابانية والهندية والبرازيلية – وقد كتبنا سلسلة كاملة بعنوان دستوريات مبكرا فى هذا المكان فى ضوء قراءة لكثير من المصادر.
(3) الدساتير حتى لا تكون «دساتير من ورق»، لابد ألا تحكم بمنطق الغلبة/ الغالبية وألا يتم حسم الأمر بمنطق التصويت وكأننا فى معركة انتخابية تتنافس فيها الرؤى السياسية، فالدستور ليس رؤية سياسية لفريق بل هى رؤية جامعة لمواطنين – على اختلافهم – يعيشون معا فى نفس الوطن. إذن هناك ما يجعل العملية برمتها ومنذ البداية لا تحظى «بالرضا العام» وهو ما دفعنى إلى الاعتذار عن عضوية التأسيسية منذ اليوم الأول ولم أعد لها قط وسابقا لانسحابات الآخرين.
(4) وسألنى أحد الشباب هل سيمر الدستور. جاوبته شعرا: «ما يولد فى الظلمات يفاجئه النور فيعريه». ويكفى القراءة الأولية للجولة الأولى التى تشير إلى: التحرك الإيجابى للطبقة الوسطى المدينية… وريثة مصر الحديثة التى صالحت بين الحداثة والتحديث والمدنية والدين فكانت انطلاقة مصر فى شتى المجالات. هذه الطبقة التى هى عماد ثورة 25 يناير ما زالت تصر على سلمية مطالبها التغييرية. لذا امتنعت عن المشاركة فى إصباغ الشرعية فيما لا شرعية له بنسبة 70% من الكتلة التصويتية «تقريبا» كما أنهم لم يجدوا مطالبهم متجسدة. وأن 13% من الذين شاركوا قالوا لا وهو ما مثل ما يقرب من 45% من إجمالى المشاركة.