التف حولى مجموعة من الشباب عقب المحاضرة التى حاولت فيها أن أطرح خلاصة دراسة أكاد أنتهى منها، عنوانها «مبادئ الجمهورية الجديدة»، حيث عرضت لهذه المبادئ، وحرصت أن ألفت النظر إلى ضرورة الانتباه إلى أن هناك من سيعمل على إعاقة ذلك. كان الهم الأكبر الذى شغل هؤلاء الشباب هو: كيف يمكن الحفاظ على ما تحقق من حراك ثورى شبابى شعبى؟ وثانياً جعل الجمهورية الجديدة بمقوماتها واقعاً عملياً. وعليه، ثالثاً، ما الإعاقات التى يمكن أن تحول دون إتمام بناء جمهوريتنا الجديدة وكيفية مواجهتها. وكان سؤال الشباب: هل تقصد «الثورة المضادة»؟ وما الذى يعنيه هذا المصطلح؟
حاولت أن أبسط قدر الإمكان، فالمصطلح له تاريخ فى الأدبيات السياسية، فالقراءة التاريخية دوماً تشير إلى أن التغيير كفكرة فى الفكر السياسى/الاجتماعى، أو ممارسة من خلال حركة المواطنين، كان يواجهه دوماً فكر وممارسة مضادان، منذ «روسو» إلى «ماركيوز». وللتيسير على الشباب لم أجد أفضل من استخدام مصطلح شائع فى كرة القدم، ألا وهو «الهجمات المرتدة»، لتوضيح طبيعة اللحظة.
إن الصراع الدائر الآن هو بين فريقين: الأول رفع شعار التغيير الذى يقوم على محورين أساسيين: الحرية والعدالة الاجتماعية. وقام هذا الفريق بالاستعداد الجدى لجعل قطاعات عريضة من الشعب تتبنى دعوة التغيير، وبالفعل حدث الحراك الذى قادته طليعة شبابية وساندته قطاعات شعبية واسعة. نجح هذا الفريق فى أن يُسقط مشروع التمديد، وفى سياقه إمكانية التوريث دفاعاً عن الجمهورية كمبدأ. كما نجح أيضاً فى إحداث نقلة حاسمة فى طبيعة العلاقة بين الحاكم والمحكوم من علاقة سلطوية أبوية مطلقة إلى علاقة أساسها المساواة وإمكانية المحاسبة والمراجعة. نجاحات هى أهداف وطنية رائعة قانونية وصحيحة تصلح نقاط انطلاق نحو الجمهورية الجديدة.
قَبِل الفريق الثانى بكل ما طالب به الشباب والشعب، تم إقصاء الكابتن وبعض عناصر الفريق الثانى، لكن الفريق استمر فى اللعب بإعادة تشكيل الفريق. بيد أن اللعب كان أشبه بهجوم جارف من الفريق الأول ودفاع مستميت من الفريق الثانى. وحتى لا يصاب مرماه بأهداف أخرى، نظم الفريق الثانى نفسه من خلال بعض الهجمات المرتدة، وهو أمر مشروع فى لعبة توازن القوة بين الفريقين. بيد أن الخطورة لم تكن فى هذه الهجمات التى تنظم من داخل الملعب، وإنما الخطورة من الهجمات المرتدة التى تأتى من خارج الملعب.. لم تكن من صنع الفريق وبجهده الذاتى داخل الملعب وقوانين اللعب المتعارف عليها. هجمات غير قانونية جاءت من قبل اللاعبين الذين خرجوا من الملعب، والذين يريدون من الفريق الذى يلعب فى داخل الملعب إحراز أهداف ـ وربما على غير رغبة الكثيرين منهم ـ بشتى الطرق:
بالترويع، أو
– إثارة التوتر الدينى (رجاء خاص من الكُتّاب والصحفيين والناشطين استخدام تعبير «دينى» بدلاً من «طائفى» لظنى أنه أكثر دقة)، أو
– إحداث سلسلة من الأحداث التى تشيع الفوضى فى كل مكان، أو
– محاولة تسويق كيف أن الواقع «قبل» كان أفضل، أو، أو…
كل ذلك للانتقاص من أهمية ما تم إنجازه وللعودة بنا للمربع الأول.
هذه الهجمات المرتدة التى تمارس من خارج ساحة اللعب تسعى لتحويل النظر عن المباراة الأساسية نبيلة المقصد والمشروعة فى آن واحد، التى صنعها جهد مصر الشابة من أجل مصر جديدة.كما تستهدف التأثير على نتيجة المباراة من خارجها وبغير اللائحة القانونية للعب. إنها محاولة لإثارة الغبار حتى يجد لاعبو الفريق الأول والمساندون الكرة فى داخل مرماهم دون معرفة كيف تم إحراز الهدف، وربما كى يستعيد الذين خرجوا أو من ينوب عنهم مواقعهم مرة أخرى، وعليه نلعب المباراة على طريقة «مرجان أحمد مرجان»:
– بإيده ماشى، بالتزوير ماشى، بالعنف ماشى.
الخلاصة، فإن «الهجمات المرتدة» أو الثورة المضادة: هى محاولة من أصحاب المصالح للعودة مرة أخرى للملعب ولاستمرار سياساتهم. وفى نفس الوقت لابد من إدراك أن كثيرين ممن ينتمون للبنى التقليدية من مصلحتهم استعادة «التربيطة» القديمة، أو ما وصفناها مرة بـ«شبكة الامتيازات المغلقة».
وأظن أن هذا هو بيت القصيد.. فلقد أثر الحراك الثورى الشبابى الشعبى فى بنية المصالح الاقتصادية القائمة فى الصميم، التى يتشارك فيها الكثير من المؤسسات التقليدية. إنه حراك مس فى الحقيقة – وبحسب أستاذنا البشرى – «الجناح الفاسد فى الدولة أو أصوليى السوق. بيد أن الأمر لم ينته بعد، ومن الضرورى أن نعطى اهتماما بعض الشىء ـ بالإضافة إلى المطالب ذات الطابع الديمقراطى – إلى فهم طبيعة البنية الاقتصادية وقاعدتها الاجتماعية حتى يمكن مواجهة «هجماتها المرتدة».