«التوتر الدينى تجاوز حد الأمان.. النزاع الدينى تهديد للدولة الحديثة.. السجال الدينى انتصار لثقافة نفى الآخر على الحياة المشتركة.. «العلاقات الإسلامية المسيحية بين الاختلاف البناء والخلاف المدمر».. هذه بعض العناوين التى تصدرت مجموعة من المقالات التى كتبناها على مدى أكثر من سنتين فى هذا المكان.. مقالات تناولنا فيها الشأن الدينى فى مصر أو المسألة الدينية فى مصر، وحذرنا مما أطلقنا عليه التفكيك الناعم الذى بات يسرى فى جسم الجماعة الوطنية.
(1)
تفكيك ناعم ساهم فى صنعه المتشددون، باعد بين المسلمين والمسيحيين نتيجة لمشاكل باتت مزمنة بسبب التراخى فى حلها فى الوقت المناسب..إنها «الحلقة الخبيثة»، كما كتبنا مرة فى مقال من المقالات.. حلقة خبيثة ندور فيها على مدى 40 سنة..كلنا مسؤول فى جعلها تتمادى وتستمر لأربعة عقود حتى وصلنا إلى الحد الذى يعلن فيه طرف الاستعدادلـ«الاستشهاد»، ويقابل هذا الإعلان جاهزية الطرف الآخر لـ«الجهاد».. وتسود أجواء الاحتقان المجتمع المصرى، وبخاصة عبر الإنترنت بوسائله الجديدة والمتجددة..بين دعوات لمقاطعة الأقباط من بعض المسلمين وبين حالة يغلب عليها الاستغناء عن الآخر من قبل بعض الأقباط.. وعبارات تطلق من هنا وهناك لا تقيم اعتبارا للمشاعر وحق الحياة المشتركة على مدى قرون.. كما لا تقيم وزنا للعلم والمعرفة وللحقائق التاريخية وللمصالح الحياتية.
(2)
هذه هى نتيجة تأخرنا فى معالجة تداعيات التوتر الدينى فى مصر.. الأمر الذى أدى بالمتشددين من المسيحيين والمسلمين إلى تناسى أى مشترك إيجابى بينهما.. وعمل المتشددون من الفريقين على الانقطاع عن أى موحدات تجمع بينهما.. ونُقل العتاب والحساب والمساءلة بين الطرفين إلى الإعلام بخطاب يتضمن مفردات تستعيد أجواء 1981.. أجواء أليمة عشناها.. وكم هو محبط أن يعيش المرء أجواء مؤلمة/متوترة مرتين فى عمره.. حيث تتعرض العلاقات الإسلامية المسيحية إلى توتر حاد للمرة الثانية فى أقل من ثلاثين سنة.
(3)
ألم يحن الوقت بعد لمواجهة الظاهرة الممتدة لعقود وأوصلتنا إلى ما نحن فيه؟.. ألم يحن الوقت لرسم تصور للمستقبل نحاصر فيه التشدد، أخذا فى الاعتبار أن الكتلة الأساسية من المصريين تميل إلى الحياة المشتركة التى تقوم على الاحترام المتبادل وقبول الآخر كما هو.. ورفض العلاقات التى تقوم على الابتزاز أو الاستعلاء أو الاستغناء أو الغلبة أو احتكار الحقيقة أو الاستقواء..علاقات طبيعية تقوم على التكامل والعمل المشترك لبناء وطن واحد يفخر بوحدته الإثنية.. وكيف يكون الاختلاف الدينى طاقة بناءة لنهضة الجماعة الوطنية؟
(4)
الحوار هو السبيل الوحيد لتجاوز الأجواء الحالية.. حوار يهدف إلى الوصول إلى مصالحة تاريخية لإشكال تسبب فيه المتشددون وتراخينا جميعا سلطة وأهالى فى معالجته.. حوار يعترف بأن هناك أزمة وعلينا معا تجاوزها.. فالحوار هو البديل الوحيد المنطقى والعقلانى والحضارى الذى يجب أن يتبعه أبناء الوطن الواحد..حوار لا يقتنص فيه كل طرف هنة لدى الطرف الآخر كى يكسب جولة أو ينتصر فى معركة.. حوار يبدأ بالنقد الذاتى لكل طرف.. فالعلاقة حتى تصح لابد أن تبدأ بأن يرى كل طرف ما قصر فيه تجاه الآخر.. وما الذى يؤلم الآخر كى يتجنبه ولا يكرره.. وهذا هو المتوقع لشركاء جمعهم وطن واحد 14 قرنا من الزمان.
(5)
إن المعاناة المجتمعية المشتركة يجب أن تكون دافعا لالتئام المواطنين المصريين من المسلمين والمسيحيين من أجل مستقبل أفضل.. فالحياة المشتركة بين أبناء الوطن الواحد تقوم على التكامل لا التقابل.. وعلينا القبول بأن مصر تعنى التعددية والحياة المشتركة.. وأن هذه الصيغة استطاعت الاستمرار بالرغم من كل التحديات التى واجهتها.. ومسؤوليتنا الحفاظ عليها.
نحن فى حاجة إلى صياغة مشروع مشترك يقوم على تجديد رابطة المواطنة.. ويهدف إلى أن نعمل معا من أجل مصر المستقبل..