لم يزل اليمين الدينى يظن أن الداخل الأمريكى ما زال على حاله.. وأن الولايات المتحدة الأمريكية لم تزل قوة عظمى وحيدة بحسب تعبير هانتينجتون وأن الرسالة الإلهية التى يظن أن الرب قد اصطفاه به لتنقية الشر من العالم من خلال سلوك إمبراطورى، يعبر عن التحالف بين اليمينين المحافظين: السياسى والدينى، يفرض الهيمنة والاستئثار بالعالم دون شريك.. بيد أن العالم تغير..ومن ثم فإن محاولة إشعال الصدام بين الحضارات على أسس ثقافية ودينية هو زمن قد ولى..
(1)
لا يدرك اليمين المحافظ أن مناخ 11 سبتمبر كما ترك الكثير من الآثار السلبية.. إلا أنه أيضا كان يثير الأسئلة حول العلاقة بين الحضارات– الثقافات والأديان وهل لابد وأن تكون إما صراعية أو حضارية؟ وهل يكون الصراع أو/ الحوار بين الحضارات– الثقافات والأديان أم بين المنتمين إليها؟.. وهل الصراع بالأساس هو لأسباب ثقافية أم لأسباب دينية؟
(2)
واقع الحال أن الجابرى المفكر المغربى الكبير الراحل، كانت له مقولة مهمة تقول «المصالح ولا شىء غير المصالح».. وكان يقصد بذلك ألا نصدق أحدا يحاول أن يتحرش بدين الآخر أو يتطاول على معتقدات الآخرين أو يهين مقدساتهم: «النصية أو العبادية»..فهو إما مختل عقليا أو صاحب مصلحة، أو يقوم بالتخديم على مصالح أكثر تعقيدا أو ما وصفناه مرة فى كتابنا «الآخر.. الحوار..المواطنة» (الشروق الدولية ومكتبة الأسرة 2005)، «بالتغطية/ التعمية على أمر ما أو المصالح»..
(3)
لقد مثل وصول بوش الابن إلى سدة الحكم فى2000وصول التحالف التاريخى بين اليمينين المحافظين: السياسى والدينى..فلقد توحدت المصالح بينهما فى ظل رؤية لأمريكا وللعالم، تقول بان أمريكا هى «وطن استثنائى تاريخى»، لابد من أن يسود ويهيمن، ولا بأس من ممارسة القوة فى سبيل ذلك. ويأتى اليمين الدينى ليدعم اليمين السياسى من خلال تغطية أيديولوجية مفادها:
«ضرورة تطهير الثقافة السائدة، وشن الحرب المقدسة ضد (الشيطان) القابع فى قلب الوطن أو الذى قد يظهر فى أى بقعة من بقاع العالم معوقاً امتداد (أمريكا الرسالة) التى تعبر عن (الإرادة الإلهية) Divine Will…
وأعتبر بوش من خلال فترتى حكمه عودة إلى ثلاثية: «العسكرى» و«التاجر» و«المبشر» التى رافقت الحركات الكشفية الاستعمارية الأولى وإن أخذت صوراً معاصرة تتناسب والتوسع العولمى المعاصر (ولقد استفضنا فى هذا بالتحليل فى كتابنا الإمبراطورية الأمريكية: ثلاثية الثروة والدين والقوة» (2003)..
(4)
إن المقاربات الموضوعية التى تناولت علاقة الحضارات ببعضها، وبخاصة بعد 11/9 تشير إلى أن الحضارات لا تتصارع أو تتحاور، بل الناس هم الذين يتصارعون ويتحاورون لأسباب تتعلق بالمصالح فىالمقام الأول. وأن مواقفهم لا تنبع من معطياتهم الحضارية والثقافية بقدر ما تنبع من مواقعهم فىالبناء الاجتماعى القومى أو العابر للقوميات بفعل العولمة.. فىهذا السياق تحالف اليمين السياسى من أصحاب المصالح الكبيرة أو المحافظين الجدد وهم نخبة اقتصادية وليسوا متدينين بالمعنى الكلاسيكى، مع اليمين الدينى المتشدد الذى صار القاعدة الاجتماعية للنخبة السياسية المحافظة..
(5)
وعليه فإن العلاقة بين الحضارات– حواراً كانت أم صداماً– ليست قراراً سابق التجهيز وإنما هى بحسب البعض «عملية تاريخية»، تحكمها المصالح.. ومن ثم فإن هذه الحماقات التى يقوم بها البعض لابد أن تواجه بكل حسم وأن نعلن رفضنا لها ورفضنا العودة لزمن أشاع الصدام ليخفى الكثير من المصالح..وأظن أن الموقف التاريخى الذى يجب أن نعلنه للعالم مسلمون ومسيحيون شرقيون:
■ هو أن هناك مساحات غير مسموح العبث بها..
أو كما ورد فى وثيقة الاحترام المتبادل بين أهل الأديان التى أصدرها الفريق العربى للحوار الإسلامى المسيحى:
«ينبغى على أهل كل دين ألا يخوضوا فى خصوصيات دين آخر.. وأن التعصب.. فى حقيقته وقود الفتن وأساس الفرقة الممزقة لوحدة الإيمان. والواجب على كل ذى دين أن يراعى فى نفسه، وفى الجماعة التى ينتمى إليها، بقاء حالة الإيمان نقية من آثار التعصب، منزهة عن الشعور بالاستعلاء على الآخرين»..
كذلك لا «لتعصب ممقوت يغرى السفهاء من كل جماعة بمن ليس منها».