«قصة قناة السويس» هى «قصة مصر: الدولة والمجتمع…كما أنها محصلة: تاريخ وجغرافيا الذات الوطنية المصرية والتى من قسماتها»… تعود قصتها إلى وقت الفراعنة، كما تعكس قصتها فى العموم العديد من الحقائق، كما كانت قناة السويس محورا لمحطات نضالية ثلاث فى مصر الحديثة والمعاصرة…
فمنذ سنوسرت الثالث فى (1887 ـ 1850 ق.م)، فكر المصريون «فى ربط مصر» بالعالم. فتم حفر القناة فى شرق الدلتا لربط النيل بالبحر الحمر على غرار ترعة الإسماعيلية، مع اختلاف المسار، من جهة. ويضيف هيرودت، فإن قناة الفراعنة «كانت لا تستخدم فقط فى الأغراض التجارية وإنما كان من وظائفها المهمة ربط مصر بالبحر الأحمر وبالبحر المتوسط عن طريق أحد الفروع المائية المؤدية إلى الفرما شرقى بورسعيد لتحركات الجيش والأسطول المصرى وتموينهما»، فكانت قناة سنوسرت الثالث أو قناة الفراعنة.
وتشير كتابات كثير من المؤرخين، إلى أن حفر القناة ـ تاريخيا ـ يعكس دوما خمسة حقائق كما يلي: الحقيقة الأولي: إنه ارتبط دوما بنهوض مصر ـ بدرجة أو أخرى وأن ردمها كان يعنى التراجع والتدهور. فلقد كان عهد سنوسرت يتسم بالعدل الاجتماعى حيث قام بتوزيع الأراضى على الفلاحين وقلل من تمركز الملكية الزراعية لفرعون لصالح الفلاحين. كما أنه امتد بملكه إلى خارج مصر. وينقلنا ما سبق إلى الحقيقة الثانية: وهى أن حفر القناة فى عصور النهوض يعنى تبنى مشروعات ممتدة على مدى القطر المصري. أما الحقيقة الثالثة: أن الحفر يعنى تسكين مصر فى قلب العالم. وحضور العالم إلى قلب مصر، مع ما يعنى ذلك من تفاعل واحتكاك تجارى وثقافي، كذلك امتداد مصر خارج دائرتها بصور مخالفة. والحقيقة الرابعة: أن الحكام الوافدين إلى مصر والذين كانوا يحكمون لصالح سلطة مركزها خارجها كانت تمنع حفر القناة حتى لا تستفيد منها السلطة فى مصر ولقطع المؤن والسلع عن المصريين لتبقى تابعة. والحقيقة الخامسة والأخيرة: وفى المقابل فإن محاولات حفر القناة من قبل المستعمرين عنوة، بحيث تعود فوائدها عليهم وحدهم لم تدم. فى سياق هذه الحقائق الخمس، كانت قناة السويس محورا لمحطات نضالية ثلاث كما يلي:
المحطة الأولي: الامتياز الأجنبي؛ فمع بزوغ الموجات الاستعمارية والكشفية الأوروبية فى القرن الـ15، تولد يقين لدى فرنسا وانجلترا أنه لا مناص من إعادة حفر قناة السويس للسيطرة على طريق التجارة مع الهند. فتم تأسيس شركة الهند فى سنة 1664. ومنذ هذا التاريخ «وضع مشروع طريق السويس على بساط البحث»، (بحسب مصطفى الحفناوى فى مجلده العمدة: قناة السويس ومشكلاتها المعاصرة). ومع تراجع مشروع محمد على استطاع ديليسبس أن يحصل من سعيد على ما كان محمد على يدركه ويرفضه ألا وهو حصول فرنسا على حق امتياز القناة فى 30 نوفمبر 1854. ثم فيما عرف «بفرمان يناير 1856 المأساة». ومن المعروف أن سياسة الامتيازات قد طبقتها الدولة العثمانية مع الأوروبيين فى سنة 1535 وكانت بداية لاختراق وضعف الدولة. وكان من المتوقع أن ينتهى الأمر فى مصر بالاحتلال. بالرغم من محاولات إسماعيل فى تصويب ما اقترفه سعيد. ومع نجاح إسماعيل النسبى والتزامه بحفر القناة، إلا أن الأمر انتهى بمصر إلى الاحتلال البريطانى وإطلاق حقها فى ملكية القناة مع فرنسا.
المحطة الثانية: التأميم الوطني؛ ومع تنامى الحركة الوطنية وتصاعد النضال ضد المحتل من أجل الاستقلال الوطني. كان ملف قناة السويس فى مقدمة المفاوضات مع المستعمر ذلك لأنه من غير الطبيعى أن تنقطع كل صلة لمصر بالقناة. وحاولت نخبة ما قبل 1952 بشتى الطرق استعادة القناة. إلى أن استطاع ناصر كحاكم مصرى أن يؤمم القناة لأنه وبحسب مصطفى الحفناوي: «قناة السويس هى قضية مصر، بل قضية الصراع بين الشرق والغرب، منذ أن وجد الغرب سبيله إلى خزائن الشرق، وهى قطب الرحى فى كل برنامج استعمارى تضعه لنفسها دولة أيا كانت، ولذلك كانت وثيقة الصلة بجميع الحروب العالمية التى نشبت، وبتطورات العالم فى ميادين السياسة والاقتصاد. والقناة ملك لمصر» ويترتب على ذلك أمران هما: «الأول هو ملكية القناة والسيادة عليها، والثانى هو وظائف القناة، لخدمة الملاحة العالمية، دون تقييد حقوق هذا البلد وسيادته»…
المحطة الثالثة: الاكتتاب الشعبي/المواطني؛ إن الدلالة الرمزية لحفر القناة الجديدة هو الشراكة الشعبية وتمويل القناة بأموال مصرية. وهو ما يجب تأمله. وقد لفتنا النظر فى العام الماضى إلى الكيفية التى بادر فيها المصريون للاكتتاب استجابة لدعوة رئيس البلاد. حيث تجمعت ستة مليارات فى ست ساعات فى اليوم الأول من فتح الاكتتاب…وهو فعل مركب يعكس المواطنة وامكانية تشجيع شرائح اجتماعية صاعدة على الشراكة الاقتصادية فلا تكون حكرا على شبكة مغلقة… أظن أننا فى حاجة إلى تعميم نموذج قناة السويس فى كثير من المجالات. تحية وتقدير… ونتابع…