منذ شهور أعلنت شركة «جوجول»، أنها ستدعم الشركات العاملة فى مجال صناعة الأسلحة بالدعم المطلوب فى مجال تقنيات الانسان الآلى «الروبوتس» الذى يمكن أن يرافق الجنود الذين هم من لحم ودم على مدى واسع.
كذلك دعم صناعة الأسلحة الأمريكية بجديد الهندسة الرقمية. كذلك تلبية كل التعهدات التعاقدية الراهنة التى تلتزم بها الشركات المختلفة تجاه وزارة الدفاع الأمريكية بأسلحتها المختلفة. الأهم من كل ذلك هو ادراك المجمع العسكرى الصناعى الأمريكى أكبر تحالف اقتصادى عسكرى عرفه التاريخ بأهمية الخطوة التى أبدتها «جوجول»… وقبل الحديث عن دلالات هذا التعاون وأهميته الكونية القصوي، نذكر بأهمية المجمع العسكرى الصناعى الأمريكى وأنه قام انطلاقا من عقيدة «التوسع» الأمريكى ومساره التاريخى وأهميته أمريكيا وعالميا، وذلك فى النقاط التالية:
أولا ـ التوسع الأمريكي: من الداخل إلى الخارج؛ أنه الوصف الذى وصفنا به نمط التوسع الأمريكى والذى يختلف كليا عن التوسع الأوروبي. ففى حالة أوروبا نحن أمام دول مستقرة جغرافيا، ثم بدأت تخرج إلى القارات الأخرى فى موجات كشفية/استعمارية متعاقبة. أما أمريكا فهى بلد قام على المستوطنين الذين استقلوا بها عن بريطانيا فى سنة 1787. وكانت تضم أولا 13 ولاية. بدأ المستوطنون حربهم على السكان الأصليين. وكانت أمريكا تتألف من 13 ولاية بين ساحل الأطلسى شرقا ونهر المسيسبى غربا. وأخذوا يتوسعون على الأراضى الجديدة فسيطروا على جنوب المحيط الأطلسى (فلوريدا) والوسط وشمال الوسط. ثم دانت السيطرة على معظم المناطق فى الفترة من 1846 ــ 1890م من الوسط والجنوب والشمال، وصولا إلى أقصى الغرب الأمريكى حتى ساحل المحيط الهادي. وهكذا اكتملت السيادة التامة على كل أراضى العالم الجديد من عام 1853م. ثم انطلقت فى التوسع فى مجالها الاستراتيجى خارجها كما يلي: أمريكا اللاتينية، نصف الكرة الغربي، باقى العالم… وكانت السيطرة الميدانية فى الحالة الأمريكية تعنى تكريس فكرة:
«تحالف الثروة والقوة»؛ أو بلغة أخرى تأمين المال اللازم لتطوير القدرات العسكرية وتصنيع ما يلزم وفق متطلبات التوسع…والتى تعنى ضمنا تطوير التقنيات وإجراء البحوث العلمية المطلوبة… أو تبلور ما بات يعرف بالمجمع العسكرى الصناعي.
ثانيا ـ ميلاد المجمع العسكرى الصناعي؛ فى الفترة من 1787 إلى 1942: أى منذ الحرب الأهلية إلى ذروة الحرب العالمية الثانية؛ تداخلت الصناعة الحكومية مع التجارية وخاصة فى أوقات الصراعات، وماأكثرها خاصة مع نمط التوسع الذى اتبعته الولايات لمتحدة الأمريكية. وهو ما جعل صناعة السلاح الصناعة الأكبر خلال هذه الفترة (كانت تمثل 1% من الناتج المحلى الاجمالى مطلع القرن العشرين، إلى 3% فى الثلاثينيات إلى 40% إبان الحرب العالمية الثانية). مما دفع فرانكلين روزفلت فى سنة 1942 إلى تأسيس وكالة فيدرالية باسم: مجلس الانتاج الحربى ليتولى الإشراف على المشروعات الصناعية الأكبر فى الولايات المتحدة الأمريكية، ومن ثم مولد المجمع العسكرى الصناعي.
ثالثا ـ المنظومة الرأسمالية واقتصاد الحرب الدائمة؛ منحت الحرب العالمية الثانية فرصة تاريخية، بكل المعايير، للرأسمالية الأمريكية فى أن تدخل المرحلة الاحتكارية… فلقد سمحت الحرب للولايات المتحدة الأمريكية بالإضافة إلى تكريسها كقوة عظمى عالمية، توفير الظروف الفعالة لإحكام السيطرة على المواطنين الأمريكيين… بمعنى أن برامج الصفقة الجديدة التى نفذت فى عهد روزفلت لتوفير قدر من الضمانات الاجتماعية للشرائح الاجتماعية الوسطى وللعمال والفلاحين لم تكن الرأسمالية الأمريكية مرتاحة لها،على اعتبار أنها تنحرف بأمريكا عن مسارها الرأسمالى لتصبح حمراء أو مثل الاتحاد السوفيتى (آنذاك)… نعم أتت الحرب ببعض الخير للفلاحين والعمال بما يمنع التهديد بقيام حركات تمرد، ولكنها فى نفس الوقت جددت الحرب أمريكا الرأسمالية الاحتكارية التى يديرها المجمع العسكرى الصناعى التكنولوجى (راجع المؤرخ الكبير هوارد زين فى كتابه «تاريخ شعب الولايات المتحدة الأمريكية» ـ طبعة 1999).
وتشير الأرقام إلى الأرباح التى جنتها الشركات الكبرى من الحرب حيث زادت أرباحها مما يقرب من 7 مليارات دولار فى سنة 1940 إلى ما يقارب 15 مليار دولار مع نهاية الحرب. الأمر الذى جعل تشارلز ويلسون رئيس شركة جنرال إلكتريك سعيدا بالحرب لأنها أوقفت الاستمرار فى برامج الدعم الاجتماعى.. ويشار إلى أنه اقترح استمرار التحالف بين أصحاب الشركات الكبرى والمؤسسة العسكرية فيما أطلق عليه:
«اقتصاد الحرب الدائمة».
رابعا ـ الانكماش الحكومى لصالح الشركات العملاقة؛ أسهمت الحرب الباردة والتى انتهت بتفكيك الاتحاد السوفيتي، فى تقليص الانفاق الحكومى على صناعة السلاح لصالح شركات متنوعة الاختصاصات. إلا ان ذلك لم يمنع من ان يظل التحالف قائما بين وزارة الدفاع والشركات الكبري. وأن يستمر البحث والتطوير والابتكار والتصنيع والتسويق بميزانيات أصبحت تتجاوز سنويا مائتى مليار دولار مع منتصف التسعينيات من القرن الماضي، كما شهدت ـ هذه الفترة ـ العديد من «الادماجات» بين الشركات الكبري.
حتى جاءت دعوة «جوجول» التى يتوقع أن تفتح آفاقا جديدة تؤسس بها لحظة تحول كبري… كيف؟… نتابع…