المنسيون أوالمهمشون…أو الذين يوصفون شعبيا باللي ملهمش ضهر…هؤلاء لابد من انصافهم في الدستور…
في واقع اقتصادي يئن, ومناخ ثقافي لم يدرك بعد الاحتياجات الدقيقة لهؤلاء المنسيين, واعتبارها ـ دوما ـ مؤجلة أو يمكن علاجها بإجراءات خيرية أو إعانية…لابد وأن ينص صراحة في دستور البلاد علي التزام كل من الدولة والمجتمع بتلبية مطالب هؤلاء المنسيين…وسد الثغرات التي قد تنشأ من صياغة نصوص غير محكمة تفتح الباب لتفسيرها علي أكثر من وجه
…كذلك التعامل مع المنسيين في إطار رؤية متكاملة من النظم والإجراءات التي تضمن احتياجاتهم, وأنهم حاضرون علي جدول أعمال الوطن بشكل أساسي. وفي أكثر من ندوة شاركت فيها أخيرا, لاحظت كيف أن هناك دوما من يذكر الحضور بحقوق فئة أو أكثر من الفئات المهمشة أو المنسية…ولكن ماذا نقصد بهذين التعبيرين؟
سوف أستخدم تعبير المهمشون; لوصف قطاع من الناس أو السكان يقبعون في أقصي البناء الطبقي/ البنية الاجتماعية من أسفل.يعيشون في ظروف معيشية حرجة,ويتسمون بأنهم يعانون من كل الآفات المجتمعة وفي وقت واحد:بطالة ممتدة, ليس لهم سكن دائم, أو يقطنون أماكن لا تحظي بأي خدمات,أنهم المهمشون أو المستبعدون, الذين يعيشون حول المدن ويشكلون حزاما يمنطقونها به جاهزا للاحتجاج والانفجار في أي وقت…وهؤلاء باتوا يمثلون كتلة سكانية تتجاوز ثلث سكان مصر…
أما المنسيون; فأقصد بهم الفئات النوعية التي نظرا لعدم الاهتمام باحتياجاتها تفاقمت مشاكلها وتزايدت أعدادها, و باتت من حيث الكم تشكل نسبة كبيرة من تعداد السكان من جهة, ويمكن تصنيف المنسيين إلي نوعين هما:
أولا: أصحاب الاحتياجات المؤجلة; أي هناك اعتراف بهذه الاحتياجات ولكن هناك تأخرا في تلبيتها, مثل: المسنين, المعوقين, أصحاب المعاشات( حول هذا الملف تحديدا يمكن الرجوع لنص المقترحات التي قدمتها نقابة أصحاب المعاشات باسم رئيسها الأستاذ فاروق العشري),…
وثانيا: أصحاب الاحتياجات المهملة, وأقصد بهم هؤلاء الذين تركوا دون علاج حتي تفاقمت مشاكلهم وباتوا قنابل موقوتة منتشرة في كل مكان, من هؤلاء: أطفال الشوارع, والأطفال الذين يعملون في مجالات العمل المختلفة, كذلك قضايا النساء الفقيرات في الريف والعشوائيات تحديدا,…الخ, وما يترتب علي ذلك من انتشار ظواهر مثل: الرق, والسخرة, وتجارة البشر…(لمزيد من التفاصيل حول هذا الأمر يمكن الرجوع إلي الورقة المقدمة من السفيرة إيناس مكاوي المعنونة: القضايا الغائبة في دستور2012 لندوة منتدي الدستور التي نظمتها جريدة التحرير السبت الماضي)…
في مجتمع بات المهمشون والمنسيون فيه بالملايين, لابد وان تكون هناك مواجهة شاملة لأسباب التهميش والنسيان… وتبدأ هذه المواجهة من خلال الالتزام الدستوري بحل مشاكلهم…ولا يكفي هنا وضع مواد دستورية عامة…بل ينبغي أن توضع في إطار رؤية دستورية متكاملة كما أشرنا في مقالنا السابق: الرعاية الاجتماعية…دستوريا)…وهي رؤية تبدأ من خلال: الرؤية التنموية العامة للدولة, وخططها, وسياساتها بما يحقق الرفاه والعدل…فلا يمكن أن يترك هؤلاء المهمشون والمنسيون للأنشطة الإعانية والخيرية, ولكن لابد وأن تكون هناك حزمة متكاملة بين خطة الدولة والمجتمع المدني من خلال نظم تتضمن إجراءات محددة لترقية أحوالهم…
وفي هذا السياق, لايمكن إهمال الرجوع إلي المواثيق الدولية التي تناقش هذه الموضوعات…والاستعانة بالنصوص التي وردت فيها, شريطة أن تكون في إطار ربطها رؤية تؤمن كل منك الرفاه والعدل لكل المواطنين دون تمييز…ونشير هنا إلي الدساتير الهندية والبرازيلية والجنوب إفريقية في اعتمادها حزمة مبادئ تمكن دولها من تحقيق التنمية الشاملة للمواطنين, كل المواطنين وامتداد هذه التنمية لتشمل كامل مناطق هذه الدول وليس مناطق علي حساب أخري… والقارئ للنصوص الدستورية لهذه الدول سوف يجد في المجمل رؤية واعية بأن النظام الاقتصادي بالأساس ـ هو العنصر الحاكم الذي يؤدي إلي وجود الظواهر المختلفة… فوجود العشوائيات أو ظاهرة عمالة الأطفال, أو إهمال بعض الفئات المجتمعية هو في واقع الأمر نتيجة لاختلالات في النظام الاقتصادي…لذا نجد الحرص علي تحديد هوية النظام الاقتصادي وكيفية عمله…وإدراك حق المجتمعات المحلية في أن تدير نفسها, وأن توفر الموارد اللازمة لتحقيق التنمية المحلية المنشودة, كذلك ربط الخطة العامة التنموية للدولة بالخطط النوعية بالخطط المحلية في آن واحد…
إن المهمشين والمنسيين يستحقون أن نذكرهم…وان نؤمن لهم كل ما يحتاجون…وهو أمر يبدأ بتذكرهم دستوريا…