التحول الديمقراطي ليس آلية صماء, يتم توظيفها من أجل مصالح تيار أو فصيل بعينه, أو يتم تشغيلها بهدف إعادة إنتاج ما ثار المواطنون عليه من استبداد وشمولية, سياسية ودينية.
إن التحول الديمقراطي هو عملية مركبة تهدف ـ بفعل حركة المواطنين علي اختلافهم ـ إلي نقل الوطن من حالة إلي حالة. من حالة استبدادية تغيب عنها العدالة إلي حالة ديمقراطية تحضر فيها المساواة التامة. لذا فالمرحلة الانتقالية بين الحالتين هي مرحل تحول من المفترض أن تجري فيها العديد من العمليات المتداخلة التي تتراوح بين الاصلاحات والتغييرات الراديكالية. شريطة الشراكة بين كل ألوان الطيف السياسي والفكري والثقافي, ما يضمن انتقالا آمنا, غير متعثر أو متأزم.
والمراجع لمسيرة التحول الديمقراطي في مصر منذ25 يناير سوف يلحظ كيف أن الموجة الأولي للحراك الشبابي الشعبي قد أنجزت إنجازا تاريخيا مميزا. إنجازا يعكس تحولا مركبا في حياة الوطن. من جهة يسجل حراكا قاعديا للمواطنين من أسفل ضد النظام القائم, ومن جهة أخري كان من نتاج هذا الحراك أن إسقاط الحاكم ال فرعون. وكان من المفترض أن يتم التعبير عن هذا التحول المركب الضخم الذي أنجزه المصريون ـ خلال المرحلة الانتقالية التي تلت هذا الحراك ـ علي كل الأصعدة.
فمن سمات المرحلة الانتقالية القبول بأنها تؤمن مساحة من الحوار المفتوح بين كل الفرقاء لبلوغ التوافق, خاصة مع انكشاف الملعب السياسي بسقوط السلطة الشمولية, وانفتاح المجال السياسي والمدني أمام المصريين. توافق حول ملامح مصر الجديدة التي لكل المصريين, كذلك توافق حول كيف يمكن تجسيد التغير الذي جري عمليا في نصوص تقنن التغيرات وتنظمها في الواقع العملي. بلغة أخري إذا كان الانسداد السياسي قبل25 يناير هو الذي أدي إلي الاحتجاجات المستمرة علي مدي عقد من الزمان تقريبا. كيف يمكن لهذه الاحتجاجات أن تجد شكلا قانونيا بعد أن حدث التغيير وتم اسقاط الحاكم. لم نجد ذلك بشكل حاسم في الكثير من التشريعات التي تم اقتراحها لاحقا, بل نجد النصوص وقد انحازت في المجمل للتقييد والركون إلي اللوائح الإجرائية والتفسيرية لتحزيم النص لو كان منفتحا بعض الشيء.
من جانب آخر, تم الدفع بالعملية الانتخابية باعتبارها القادرة علي انهاء حالة عدم الاستقرار من أجل عجلة التنمية وهو ما عكس نظرة تبسيطية لفعل المواطنة العملي في الميدان. فما جري في الميدان لم يكن ضد شخص أو قرار وإنما كان ضد مصر المتكلسة, المترهلة, الراكدة. وعليه كان من المفترض إحداث تغييرات جذرية تواكب حراك المواطنين, إلا أن ما جري في المرحلة الثانية الانتقالية بداية من نهاية الانتخابات الرئاسية وحتي الإعلان الدستوري النوفمبري يشير إلي أن مصر تستعيد حالة استبدادية ولكنها ذات تجل ديني. وبات كل احتجاجات علي الأرض والتي قدرت ـ رسميا ـ بالآلاف خلال سنة, باعتبارها ثورة مضادة. واختزال الشرعية في الصندوق والتعامي عن حركة الناس القاعدية. والتي تمثل شرعية مضادة وليس ثورة مضادة.
ومن الأهمية الأخذ في الاعتبار أنه من خلال الخبرة التاريخية لدول مرت بنفس ظروفنا ـ وعلميا ـ أنه من الطبيعي أن تنقسم قوي الثورة التي كانت موحدة في مواجهة النظام القديم, وأن تجد لنفسها الدافع والمبرر أن تثور في مواجهة السلطة الجديدة إذا ما وجدتها تسير في مسار مغاير للمسار الذي ثار المواطنون من أجله. وهو ما حدث في30 يونيو, خاصة أن السلطة خاصمت كلا من: القوي السياسية, ومؤسسات الدولة الحديثة, وعموم المصريين. وبدا وكأن السلطة تقطف ثمار التغيير وحدها ـ دون شركاء الثورة ـ وفق الصندوق بالرغم أن هذا يتناقض مع منطق المرحلة الانتقالية التي لابد أن تستمر فيها الشراكة حتي يتحقق التحول بشكل تام. وهذا هو لب الموضوع. وأظن أنه لم يدرك جيدا. ومن ثم تأزم التحول الديمقراطي وتبين أن الميدان لم يزل فاعلا وحيا وقادرا علي استحضار الملايين لتصويب عملية الانتقال.
المرحلة الانتقالية الآمنة, تعني الحرص علي الشراكة, بالرغم من فوز طرف بالانتخابات, لأن المرحلة الانتقالية ـ بحكم التعريف هي التي يتم فيها التوافق علي سمات الحالة الديمقراطية التي ثار المواطنون من أجلها ويأملون الانتقال إليها, والتي سوف يعمل علي بلوغها هؤلاء الشركاء حيث يدخلون معا الزمن الديمقراطي.
إننا في مرحلة انتقالية جديدة ولاشك. ومن أجل تحول ديمقراطي آمن لابد لنا من الاستفادة من دروس الأشهر الثلاثين الماضية والحرص علي المصالحة والتوافق. وهو ما نتحدث عنه تفصيلا لاحقا.