نشرت الأهرام في ملحقها الأسبوعي’ اللوموند ديبلوماتيك’, السبت الماضي(2/23),
عرضا موجزا لكتاب’ الشعب يريد’. اقتطف العرض بعض مما جاء في الكتاب تحت عنوان’ رأسمالية الاخوان المسلمين’. يقترب الكتاب بشكل غير نمطي من حركة الاخوان المسلمين, حيث يحاول أن يحلل التركيبة الاجتماعية لأعضاء الجماعة ومن ثم الرؤية الاقتصادية التي يتبنونها وينحازون لها.
فمن خلال دراسة لأهم شخصيات اقتصادية قيادية في الجماعة ونوعية الاقتصاد الذين يديرونه في مجالات التجارة والنسيج والمفروشات, يكشف ـ المؤلف ـ عن ما يطلق عليه’ العقيدة الاقتصادية’ للإخوان المسلمين. والتي يلخصها المؤلف في أنها’ مؤيدة للحرية الاقتصادية والمتناسبة أكثر مع العقيدة النيوليبرالية’. وبرجوع المؤلف لبعض الكتابات حول بعض الرموز الاقتصادية للجماعة وجد أن العنوان الذي كتبته إحدي الدوريات الأجنبية المتخصصة حوله هي’ الأخلاقيات الإخوانية والذهنية الرأسمالية’.
والعنوان تنويعة معاصرة لعنوان المرجع الأشهر في علم الاجتماع الديني لعالم الاجتماع الشهير ماكس فيبر’ الأخلاق البروتستانتية وروح الرأسمالية'(1905). والإشارة هنا تذكر بالعلاقة بين المحافظة الدينية كما كانت تبديها البروتستانتية في لحظة تاريخية معينة مبكرة, وبين الرأسمالية. نفس الحال يتكرر مع الإخوان بالتزامهم المحافظ الديني وضرورة النجاح وعدم الكسل لأنه’ رزيلة’. ويصر المؤلف علي أن هذا النهج الاقتصادي هو استمرار ذات غطاء ديني لنهج الليبرالية الجديدة الذي روجت له المؤسسات الدولية منذ1979 منذ جاءت تاتشر وريجان إلي الحكم. وهو النهج الذي أخذت به مصر وأدي إلي فجوة طبقية جعلت مصر توصف بمجتمع الخمس. إنه اقتصاد القلة الثروية الذي’ يحتكر’ و’ يستأثر’, وأطلقنا عليه مبكرا’ شبكة الامتيازات المغلقة’. الفرق الوحيد أن العمل الخيري والإحسان سوف يزداد ويتكاثر في ظل الغطاء الديني للاقتصاد.
ويدلل المؤلف علي هذه الاستمرارية, بان الإخوان باتوا يتغاضون عن ما كانوا يتعرضون له من ملاحقات أمنية في الفترة المباركية, و كيف يجتهد الإخوان’ لتقليد التجربة التركية فيما يتعلق باستيعاب كل رجال الأعمال سواء الجدد من المتوسطين والصغار من جهة, والكبار الذين كانوا يساهمون في النظام الاقتصادي للسلطة السابقة القديمة من جهة أخري. ويذكر المؤلف العديد من الأسماء التي شاركت في الرحلات الرسمية خلال الأشهر القليلة الماضية والتي تشير إلي استمرار نفس النظام الاقتصادي بالرغم من تغير السلطة السياسية من مواجهة للإخوان إلي إخوانية, ومن مدنية إلي دينية.
في هذا السياق يطرح المؤلف الكثير من التحديات حول رأسمالية الإخوان منها: الموقف من طبيعة النموذج التنموي الذي سوف يتبعونه, والحريات النقابية, والموقف من العمال والفلاحين, وكيفية الاستمرار في الأخذ بالسياسات النيوليبرالية في المجالات المالية بأبعادها المختلفة في ظل حراك ثوري طالب بالعدالة الاجتماعية هذا الملف المسكوت عنه ـ بالكلية ـ, وفي ظل مراجعات عميقة للسياسات النيوليبرالية وفشل تغييب الدولة عن الاقتصاد وخصخصة كل شيء وهيمنة السوق علي المصائر.
أترك القارئ لقراءة باقي عرض الكتاب الذي أتمني أن يترجم إلي اللغة العربية سريعا لأنه سيفتح أفقا حواريا يتجاوز الحكايات والحواديت التي تطغي علي كلامنا وكتاباتنا والتي تتناول قشور الظواهر السياسية والاجتماعية إلي ما هو أهم وأعمق يمس الرؤية الاقتصادية والتركيبة الاجتماعية والتحيزات المجتمعية للأحزاب والحركات والتشكيلات السياسية والمدنية بشكل عام وبالأخص الدينية. فالغطاء الديني الذي يحجب فهم كثير من التشكيلات القائمة لابد من تجاوزه لإدراك تحيزات هذه التشكيلات. وأذكر هنا كيف استوقفني طرح أحد الأجنحة السلفية لرؤية اقتصادية ـ في موضوع ما ـ يمكن أن تصنف بأنها يسارية. وإعلان أحد الرموز السلفية إلي أنه يجوز عند معالجة قضايا الفقراء أن نستعين ببعض الإجراءات اليسارية.
إن التعمق في هذه المسائل يفتح الطريق إلي أن الغطاء الديني بكل ما يحمل من معاني وقيم مثالية كلية سوف يحتاج إلي سياسات وأنها عند التطبيق لابد وأن تنحاز بدرجة أو أخري, وهذا التحيز يتحكم فيه التركيبة الاجتماعية التي تسير الأمور. فمن ينتمي إلي جذور ريفية سوف يختلف في تصوراته عن المديني, ومن يعيش في واقع أحزمة المدن والمناطق العشوائية سوف تكون له رؤي أخري…وهكذا…بالرغم من الرابطة الدينية. وهو أمر مفيد سيزداد مع الوقت حيث يفرضه الواقع واحتياجات الناس…
ونشير في هذا المقام إلي أن الكتاب الذي أشرنا له في البداية. يأتي ضمن كتابات ما أطلق عليه الموجة الثالثة من الكتابات الاجتماعية الاقتصادية التي تتناول الحركات الدينية, وكيف كشفت تحيزاتها, ولماذا؟…وهو ما نتابعه.