(1)
«إطلالة على العوالم السينمائية الجديدة»
«نادى السينما»؛ إحدى أهم التجارب الثقافية فى مجال الفن السابع فى مصر. لم يكن «نادى السينما» مجرد قاعة لعرض الأفلام، وإنما تجمع فنى معرفى لمتابعة ومناقشة جديد الشاشة الفضية فى العالم: فنيًا، وصناعيًا، وتقنيًا، وثقافيًا، وفكريًا.. إلخ.
وحول هذه التجربة الفريدة والثرية، صدر عن الهيئة المصرية للكتاب مؤخرا (2021) كتاب للناقد والكاتب السينمائى الأستاذ «أمير العمرى» بعنوان: «عصر نادى السينما»؛ متناولًا قصة هذه التجربة التى امتدت لربع قرن من الزمان: من 1968 إلى 1993.
وكانت كما يقول المؤلف فى مقدمته: «ظهر - نادى السينما - كمنبر للثقافة السينمائية من قبل الحراك الاجتماعى الذى أعقب نكسة 1967، وكان يعكس رغبة حقيقية فى الانفتاح الثقافى على العالم».. لذا عنى نادى السينما بأن يعرض إبداعات السينما العالمية بمدارسها واتجاهاتها وظواهرها المختلفة: العريقة والبازغة، الغربية والشرقية، والاحترافية والتجريبية، والكلاسيكية والطليعية، الروائية بأنواعها، وغير الروائية، أى القصيرة والوثائقية والتسجيلية والكرتونية.. إلخ، فكان نادى السينما بحق نافذة على سينما أخرى مختلفة غير التجارية التى كانت تنتشر فى دور السينما العامة.. كما كان إطلالة على عوالم جديدة آخذة فى التشكل بعد ثورات الطلبة نهاية الستينيات وبداية السبعينيات.
(2)
«البدايات الحلوة والنهايات المرة»
نعم.. «جاء نادى السينما إذن من قلب الحراك»؛ كما يقول الأستاذ «العمرى»، إلا أنه كان من المفترض أن يسهم مع قنوات أخرى فى الاستجابة «لطموحات الشباب، التى لم يعد من الممكن تدجينها كما كان الأمر فى السابق».. ولكن بحلول العام 1977، تراجع الكثير من المساحات الثقافية لسبب أو لآخر، فأصبح نادى السينما يتحمل- وحده- مسؤولية كبيرة فى التعريف بالنماذج السينمائية العالمية «الملهمة والجريئة».. وظل يقاوم دفاعًا عن مهمته النبيلة حتى مطلع التسعينيات.. وحول ما سبق، نهج المؤلف كتابة رباعية الأبعاد كما يلى: البعد الأول: التأريخ لبدايات نوادى السينما فى العالم. والبعد الثانى: التأريخ لتجربة نادى السينما المصرى والمعروف باسم نادى القاهرة للسينما باعتباره أحد المشروعات الثقافية الطموحة التى هدفت إلى تطوير السينما المصرية من خلال الربط بين العمليتين الإنتاجية والثقافية، وفرسانه، ومساره والجدالات المتعاقبة حول دوره وما آل إليه المشروع، وعلاقة النادى بكل من الجهة/ الجهات الإدارية، والنقاد والجماعة السينمائية والثقافية.. إلخ.
والبعد الثالث: رصد التحولات المجتمعية التى واكبت تاريخ مسيرة «نادى السينما» وكيف أثرت عليها. البعد الرابع: الأثر الثقافى لنادى سينما مصر على مدى ربع قرن.. لذا حُق للمؤلف أن يختار عنوان «عصر نادى السينما» للكتاب؛ لأن هدفه ـ بحسب الأستاذ «العمرى» ـ لم يكن فقط سرد وتسجيل تاريخ النادى ودوره والتوقف أمام ما أنجزه ورسخه ورصد تأثيره، وإنما لضرورة وضع «تجربة نادى السينما فى سياق ذلك العصر الذى شهد مولده ونموه وتطوره..»؛ أو «بدايته الحلوة»، بحسب المؤلف كذلك. وللأسف، نهايته المرة إن جاز لنا أن نقول ذلك.. لذا جاء الكتاب فى مجمله عاكسا ـ ليس فقط لتاريخ النادى ـ وإنما لتاريخ مصر من خلال الحركة السينمائية والثقافية، وكاشفا لكثير من جوانب الحياة الثقافية وتناقضاتها وسجالاتها.
(3)
«الأفول»
أشهد أن «نادى السينما»، وقد انضممت لعضويته فى نهاية السبعينيات بما كان يقدم من عروض متميزة ونقاشات جادة، قد مثّل بالنسبة لجيلنا مساحة للإدراك الفكرى والارتقاء البصرى والأهم متنفسًا للحوار الجاد خاصة فى الفترة من 1977 إلى 1982، حيث أوصدت أمامنا كطلبة جامعيين ـ آنذاك ـ كل المنتديات. وبحلول عام 1982انطلق وتوسع نادى السينما فى تقديم كل ما هو جديد، وكان العرض السينمائى متعة لا يدانيها متعة، لأنه لم يكن يقف عند المشاهدة البصرية للفيلم وإنما كان يتجاوزها إلى تفكيك وتحليل الشريط السينمائى بمشاهده الحية المتتالية/المتعاقبة فكريا وجماليا بالنقاشات والنشرة الدورية.
فمن خلال نادى السينما عرفنا الفروقات بين الأنواع السينمائية، وأن هناك سينما أخرى غير الأمريكية، كما اطلعنا على الهَمّ الإنسانى فى العديد من السياقات الاجتماعية المغايرة، وشاهدنا إبداعات فيللينى، وأنطونيونى، وبازولينى، وجودار، وبولانسكى، وودى آلان.. وغيرهم، كذلك جديد المهرجانات أولا بأول... تحية للأستاذ «أمير العمرى» على كتابه المهم جدا والرشيق الذى يثير ـ بالرغم من الإجابات الوافية ـ سؤالا كبيرا هو: لماذا «أفل عصر نادى السينما»، بالرغم من استمراريته فى الكثير من المجتمعات؟!.