«الشعوب لا تموت.. وبالتالى حقوقها»
أثبت المواطنون الفلسطينيون فى كل أنحاء فلسطين أن حقوق الشعوب لا تسقط قط. وأن النضال الوطنى عبر حركة المواطنين على الأرض قد يكمن فى لحظة تاريخية ما، ولكنه - أبدا - لا يموت.. ويؤكد إن لم تتأسس المواثيق والعهود على أسس عادلة فإنها - ومهما طال الأمد - تذبل مع مرور الوقت، وتبهت نصوصها الظالمة، خاصة مع تنامى التئام الجسم الوطنى و«استعادة روحه الجماعية» فى «كمال نضالى» متعدد الأشكال.. كمال نضالى يؤسس لواقع جديد بموازين قوة فاعلة يتسم بما يلى: أولًا: تجديد التذكير بالحقوق التاريخية. ثانيًا: أنها لا تسقط بالتقادم. ثالثًا: أن النضال الوطنى - وحده - هو الكفيل باستعادة الحقوق، وأنه الفعل الوحيد القوى والمؤثر والخطر الذى تفهمه القوة الغاشمة والمحتلة. ورابعًا: ما يقتضى إعادة النظر والسير فى مسارات جديدة تحقق العدل والحرية والاستقلال
.
لقد قامت أجيال جديدة تحمل روحًا نضالية تؤسس لمسار جديد مغاير لمسار الأجيال القديمة التى تراوحت مواقفها بين الاستكانة والخنوع والتورط والشراكة والانقسام.. هذه الأجيال التى لم تنتبه - أو لا تأبه فى الحقيقة ـ لخبرات الماضى النضالية، ولا لما أسسته من حقائق على مدى التاريخ، ولا لأفكار أصحاب الفكر المعتبرين الذين أكدوا كثيرا أن روح الشعوب لا تموت؛ ذلك لأنها تتجدد بالانتفاضات التى يقوم بها المواطنون، دوريا، سعيا للتغيير.. وتتسلح بحقائق التاريخ وتتقوى بالثوابت الحضارية.. إنها الانتفاضات التى تبرهن على أنه لا يوجد جسد مواطن «ساكن»، «كامن».. نعم؛ يتحين الوقت الملائم ليخوض معركة الوجود والحياة.
(2)
«نضالات وطنية.. حقائق تاريخية.. ثوابت حضارية»
إن مجموع «نضالات الشعوب»: الحية والممتدة والمتعاقبة هى التى تُكسب الأوطان «الحقائق التاريخية» ـ الحلو منها والمر للتعلم والإفادة ـ
.. التى تتراكم فى الذاكرة الوطنية لتصبح «ثوابت حضارية» تتوارثها الأجيال جيلا بعد جيل.. فلو لم يصرّ المصريون على: أولا: استمرارية «النضال»؛ كما تجلى فى مقاومة الاحتلال الإنجليزى بشتى الأشكال: السياسية، والعسكرية، والاقتصادية، (كذلك إزالة آثار عدوان 1967)، ما كان يمكن لمصر أن تتمكن من إجلاء القوى المحتلة (وتحقيق عبور 1973 واسترداد الأرض).. ما كانت، ثانيا: واقعة الجلاء «حقيقة تاريخية»؛ (كذلك واقعة دحر المعتدى) راسخة فى الوجدان والفكر المصريين.. ومن ثم تصبح مع مرور الوقت، ثالثا: «ثابتا حضاريا»؛ (ثوابت حضارية) تضاف إلى عديد من الثوابت الحضارية التى تشكلت (وتتشكل) عبر التاريخ القومى نتيجة النضال الوطنى - بالأساس- والذى بفضله تُبدع وتُصنع الحقائق التاريخية المادية التى تتحول إلى ثوابت حضارية نتذكرها دوما ونفخر ونسعد بها ونتحدث عنها ونعلمها ونحفظها كوديعة مستدامة لتتناقلها الأجيال.. أى نتذكرها ونُذكر بها ونستذكرها.. ومن ثم يصبح «الثابت الحضارى»- الذى هو فى الأصل «حقيقة تاريخية» تحققت عبر «النضال الوطنى» للمواطنين/ الجماهير/ الشعوب/ الناس/ البشر - أحد مكونات الشخصية الحضارية القومية التى تكتسب صفة الخلود والاستمرارية.. بالرغم من تسفيه البعض مما سبق على مدى عقود.
(3)
«عملية تجدد الأوطان»
الخلاصة، لولا النضالات المواطنية - من قبل الجميع - ما كانت هناك حقائق تاريخية تتشكل منها الثوابت الحضارية المميزة للشخصية القومية.. إنها العملية التى تتجدد بها الأوطان والتى وصفها المفكر الكبير «قسطنطين زريق» (1909 - 2000) بأنها عملية: «صنع جديد للحياة».. تحية للمقاومين الجدد الذين - فيما أعتقد - أحدثوا خلخلة فى الاستقرار القسرى، وحالوا دون إتمام صفقة مجحفة.. وأذكر فى هذا المقام كلمات للشاعر محمد إبراهيم أبوسنة (1937 أمد الله فى عمره) من ديوان «حديقة الشتاء» القائلة على لسان كل مقاوم يصنع التاريخ والحضارة:
حينما قبلت هذه المجازفة.. تفتحت أمامى الكنوز.. ساقطت على يدى
وحينما قامرت بالمصير.. انهارت الأغلال وامتلكت ساعدى
فحين تفتح الشجاعة الأبواب.. نذوق دونما ندم: فواكه المغامرة
وتجرى الدماء فى عروق أجمل الأحلام
فنحن معشر المجازفين.. نريد حينما نبايع الوطن
أن تستمر هذه المخاطرة.. جريئة إلى الأبد
لنقطف السعادة المحاصرة.. من فوق أغصن اللهب
لا تشفقوا علىَّ.. فها أنا الذى خسرت قد كسبت كل شىء.