أحلام فترة العزلة.. (17): «ساندرز وقفازه»

(1)
«أمريكا أخرى بازغة»

من أكثر الشخصيات التى خطفت نظر العالم ممن حضروا تنصيب «بايدن» رئيسًا للولايات المتحدة الأمريكية المرشح الرئاسى الديمقراطى وعضو مجلس الشيوخ الأمريكى «بيرنى ساندرز» (79 عامًا).

فبالرغم من أن «ساندرز» حرص على أن يكون بعيدًا عن الإعلام- قدر الإمكان- إلا أن بساطة ملبسه من جانب وقفازات اليد الصوفية، غريبة الشكل، من جانب آخر، قد جذبت الإعلام إليه بكثافة، ما جعل حضوره يسرق الأضواء ويمنحه حضورًا واسعًا فى وسائل الاتصال الاجتماعى، وأن يكون «تريند» لمدة يومين على مستوى العالم.. وبعيدًا عن المشهد الذى أثار العالم بكثافة مذهلة ليومين، فإن له دلالة رمزية أعمق بكثير.. «فساندرز»- بالرغم من سنه الكبيرة- يعبر عن حالة مجتمعية وسياسية لا تنتمى للخريطة الفكرية والسياسية الأمريكية التقليدية التى تتسم بالثنائية: أولا: السياسية التى تتمثل فى الحزبين الكبيرين: الديمقراطى والجمهورى. وثانيًا: الفكرية حيث يتم تصنيف المواطنين بين ليبراليين ومحافظين.. إن ظاهرة «ساندرز» ومن يتبعه يعبرون فى واقع الأمر عن أمريكا أخرى بازغة تفور بالتحولات، تختلف كليًا عن أمريكا التى نتصورها ساكنة.. إن هذا الفوران كان دافعًا فى فترة العزلة أن ندركه من خلال العديد من أحلام الإبداع المتنوعة.

(2)

«التقدميون قادمون»

بداية يصف «ساندرز» وأنصاره أنفسهم بـ«التقدميين»، حيث يرون أنفسهم على يسار البنية الاجتماعية والسياسية والفكرية القائمة وفق رؤية تحليلية «طازجة» لتركيبة كل من: النخبة السياسية الحاكمة، والتشكيلة الطبقية المتبلورة، والبنية المؤسسية القائمة، والشريحة الجيلية الشابة الراهنة.. وتعد هذه الرؤية تجديدًا لجهود قديمة بدأت عقب الحرب العالمية الثانية حاولت فهم وإدراك بُنى المجتمع الأمريكى ولكن المكارثية ( ) حالت دون أن ينمو هذا التيار.. من هذه الكتابات: المقالة الرائدة لـ«تشارلز ميلز»: «نخبة رجال الأعمال الأمريكيين: لقطة جماعية».. وكتابات «دانيال بيل» و«إيرفنج هاو»... إلخ، التى تواصلت مع الحركة العمالية وكثير من الفنانين فى شتى المجالات آنذاك.. وهو زمن أنتج عددًا من الأعمال الفنية، منها: ما تحصن بالتاريخ فى مواجهة المكارثية. وأخرى لجأت لتشريح فساد الرأسمالية ووهم الكذب الأمريكى من خلال الكلمة المكتوبة والصورة الفيلمية والتجسيد المسرحى، والذى كان بعضه موسيقيًا (ونشير هنا إلى متعة الحلم والتأمل والتجدد مع بعض أعمال آرثر ميلر، ووليم فوكنر، وأفلام كابرا وشابلن... إلخ)، وما ساهم فى إحياء هذا التوجه التقدمى من خلال الظاهرة «الساندرزية» تبلور جيل جديد من الشباب ناقم على المؤسسات القائمة والحياة الحزبية التى تحركها نخبة الـ1%.. وهو ما تؤكده دراسة حديثة قام بها معهد هارفارد للسياسات لعينة من الشباب تتراوح أعمارها ما بين 18 و30 عامًا خلصت إلى أن «19% من العينة تؤمن بالرأسمالية بدرجات متفاوتة. أما باقى العينة فإنها تدعم البحث عن نظام اقتصادى أكثر عدلًا».. وتؤكد كثير من الدراسات كيف أن هذه الكتلة الشبابية ترى فى رأسمالية السوق وقد بلغت حالة من الانكسار لم تعد تنفع معه العلاجات التسكينية.

فلقد أصاب الهزال الرابطة التاريخية قطاعات المال والأعمال والإنتاج.. فى هذا السياق ولدت القاعدة الاجتماعية للظاهرة «الساندرزية» من الشباب والطبقة الوسطى.. وقد واكبها إبداعات من عينة: وحش المال لجوليا روبرتس ومايكل كلونى، وول ستريت، وعديد الأفلام عن أزمة 2008 المالية.. هذا ناهيك عن أفلام تنقد مجددًا العنصرية والمكارثية وأداء المؤسسات مثل أفلام: «ترامبو» و«رموز مخفية» و«النائب» حول «ديك تشينى» الذى يشرح بدقة الأداءات والتفاعلات الداخلية لمؤسسات الدولة الأمريكية وتورط أعلى كوادرها فى علاقات غير بريئة مع شركات النفط.. ونشير أيضًا للمسلسلات التى أطلقنا عليها الرقمية وعلى نقدها الواضح واللاذع والصريح لشبكة المال والسياسة والجريمة المنظمة مثل مسلسل القائمة السوداء (150 حلقة).

(3)

«القفاز الصوف: رؤية لا مجرد خبر»

إذن، «ساندرز» و«إليزابيث وارين» و«كامالا هاريس» هم رموز لتيار معتبر قاعدته الاجتماعية من خارج الحزب الديمقراطى قوامه الطبقة الوسطى الشابة أو شباب الطبقة الوسطى.. وهو تيار يمكن فهم رؤيته من خلال كتب «ساندرز»: «من أين ننطلق»، «المقاومة»، و«ثورتنا»... وكتب «وارين»: «هذا النضال نضالنا»، «معركة إنقاذ الطبقة الوسطى» وغيرهما.. إن القفاز الصوف يحمل دلالة رمزية تعكس رؤية هذا التيار أعمق مما تم تداوله إعلاميا.. ما هى؟.. نواصل أحلامنا الواعية.


طباعة   البريد الإلكتروني
0
0
0
s2smodern