أحلام فترة العزلة (15) تجمعات زمن «الكورونا»

(1) «لماذا؟»
بالرغم من كل التحذيرات الرسمية وغير الرسمية، والمحلية والدولية، من أهل الذكر والمؤسسات المعنية، من خطورة الانخراط فى أى تجمعات من أى نوع.. كذلك الالتزام بما بات يُعرف

بالإجراءات الاحترازية من: تباعد اجتماعى، وارتداء الكمامة، والغسيل المتكرر للأيدى.. إلا أننا نرى أن هناك دومًا من يعمد إلى تجاهل هذه التحذيرات والإجراءات.. قد يقول البعض إن هذا يحدث تحت ضغط الحاجة الاقتصادية من قبل البعض.. ما يحتاج منا إلى أفكار مبتكرة لحل مشكلة مَن فى حاجة حقيقية تدفعه للمغامرة بصحته وصحة أسرته ومن حوله.. ولكن يظل السؤال المُلح: ماذا عن البعض الآخر الذى يُصر على التجمع الاحتفالى بهذه الصورة المخيفة التى رأيناها فى ليلة رأس السنة؟.. ما الدافع/ الدوافع التى تجعل صاحبها/ أصحابها ينتحرون - حرفيا - غير معنيين بالتداعيات الكارثية لتجمعات زمن «الكورونا»؟.. وردًّا على هذا السؤال تتعدد التعليقات التى تميل إلى إطلاق أحكام عامة تتراوح بين الإدانة والقبول دون محاولة فهم ما وراء ردة الفعل الجماعية التى تجلت ليلة رأس السنة.. أخذًا فى الاعتبار أن هناك تجليات أخرى تعبر عنها هذه الجموع فى سياقات أخرى تصب فى نفس الاتجاه، ألا وهو تجاهل التحذيرات والإجراءات.. لا أدعى أن لدى إجابة وافية وشافية لهذه الظاهرة، ولكنى أجد عالم النفس الأشهر «إيريك فروم» (1900 ـ 1980) يحضر فى ذاكرتى حيث تتداعى أفكاره - فى صورة أقرب للأحلام الواعية - حول «الطبع الاجتماعى» وتجسيداته فى المجتمعات المختلفة.

(2) «ثلاثة تجليات للطبع الاجتماعى»

يشير «فروم» فى مرجعه المعتبر: «تشريح التدميرية البشرية»؛ إلى أن للمجتمعات «طبعًا اجتماعيًا» تمارسه يرتبط بنوعية المجتمع وطبيعته فى لحظة تاريخية معينة... ولا ينبغى التعامل مع الطبع الاجتماعى الذى يتم التعبير عنه باعتباره «سمة سلوكية منعزلة» عن المجتمع: بنجاحاته وإخفاقاته، بقسريته ومرونته، بفرديته وجماعيته، بطبقيته والمساواة بين مواطنيه، مدى معرفته وحدود جهله، قدرته الإنتاجية واستغراقيته الاستهلاكية.. فى هذا المقام يقول «فروم» إن هناك أولًا: المجتمعات المؤكدة للحياة؛ التى تعمل مكوناتها على تأكيد القيم الصالحة الدافعة للتقدم وتخدم الحياة بكل أشكالها حفظًا ونموًا، كما تراعى عناصرها بعضها البعض، فتتضامن فيما بينها فى مواجهة كل ما يهددها من أخطار وتحديات وأزمات وجوائح وجوائر. وتتسم نفسيات أعضاء هذه المجتمعات برحابة الصدر والانشراح وغياب نسبى لليأس ولاكتئاب.. ثانيا: المجتمعات العدوانية غير التدميرية؛ وهى المجتمعات التى تميل فى روحها إلى العدوانية والغلاظة. وعليه، ما إن تحل الجائحة حتى يزداد الحنق والضيق، وتتزايد القسوة البينية للعلات فى داخل الجماعة الوطنية. ولكنها كلها لا تصل إلى حالة التدمير.. وثالثا: المجتمعات التدميرية وهى المجتمعات التى تلجأ إلى العنف مباشرة دون إعطاء أى فرصة للحوار أو التفاوض، ولا تأبه بما سيترتب عليه خروج عناصرها على الصالح العام من أضرار سوف تلحق بذواتهم وبالآخرين.

(3) «وبعد...»

إذن، ما جرى من تجمعات فى زمن كورونا هو فعل تدميرى بامتياز. ولا يُحسب فعلًا عاقلًا.. كما لا يمكن تبريره تحت أى اسم أو دعوة.. فمن يخدش الصالح العام يعطل فى الحقيقة الخير، ليس على الفرد وإنما على المجتمع بكل من فيه.. ولا يمكن اعتبار هذا الفعل- بأى حال من الأحوال- من أفعال حب الحياة.. وفى هذا المقام يقول «فروم»:

إذا سألت أى إنسان/ مواطن «سوى» مجموعة الأسئلة التالية سنحصل على ما يلى:

«لماذا تحب الحقيقة؟ سيجيب: لأنها حقيقة»!

ولماذا تحب العدالة؟ سيجيب: لأنها عدالة!

ولماذا تحب الطيبة؟ سيجيب: لأنها طيبة!

ولماذا تعيش؟... سيرد بحسم: «أقسم بشرفى أنا لا أعرف...أنا أحب أن أعيش!»..

الحقيقتان اللتان لا تحتاجان إلى تفسير هما: نحن نرغب بالحياة. ونحن نحب أن نحيا الحياة.. وهما حقيقتان لا يمكن أن يتحققا ما لم نغلب الطبع الاجتماعى المؤكد للحياة.. وتبقى الأسئلة المطلوب الإجابة ـ عمليا ـ عليها هى: كيف نرغب أن نعيش؟ ما الذى نبتغيه من الحياة؟ ما الذى يجعل الحياة ذات معنى بالنسبة لنا؟.. وسوف تحدد الإجابات «الطبع الاجتماعى» الداعم للحياة لا الأذى.. هكذا عشت حلمًا واعيًا مدهشًا ومثيرًا للتأمل ومشجعًا على طعم حياة مختلف يحمل الخير للجميع. .. ونواصل أحلامنا الواعية..


طباعة   البريد الإلكتروني
0
0
0
s2smodern