الزمن الترامبي: 94كتابا في ستة شهور

لفت نظري عند مراجعتي للحصاد الفكري لسنة الغلق الفيروسية (2020) هذا الكم الهائل من الكتب التي تناولت "الزمن الترامبي"، خاصة في الشهور الستة التي سبقت إجراء الانتخابات الرئاسية الأخيرة في نوفمبر الماضي. وهي ظاهرة غير مسبوقة لم يحظ بها أي رئيس أمريكي سابق...استطعت ان أتحصل على 94 كتابا من هذه الإصدارات بالفعل...فما دلالة هذه الظاهرة؟


بداية نشير إلى أن ظاهرة "كتب الرؤساء" سواء التي يكتبونها بأنفسهم أو بمساعدة أحد من جهة، أو التي تكتب عنهم من جهة أخرى، هي ظاهرة معتادة في الولايات المتحدة الأمريكية تاريخيا. وتعتبر من التقاليد الحميدة التي تتسم بها الحياة السياسية الأمريكية. ذلك لأنها تمثل توثيقا هاما لكل ما يجري من أحداث ووقائع، ويتخذ من قرارات وإجراءات داخل وخارج الولايات المتحدة الأمريكية...ما يتيح تقييم حصاد الفترات الرئاسية المتعاقبة الأكاديمية والصحافة والمؤسسات الرسمية الأمريكية المتنوعة. وهكذا تتشكل ذاكرة الولايات المتحدة الأمريكية وتظل حاضرة دوما يمكن استدعائها عند الحاجة أو إذا ما تطلب إعادة دراسة أي موضوع أو ملف مما تضمنتها هذه الإصدارات لأي سبب من الأسباب.
وجرى العرف أن تصدر مجموعة من الكتب التعريفية حول الرئيس إبان فترة السباق الرئاسي. ومع نهاية الفترة الرئاسية يبدأ بإيقاع تدريجي صدور كتب تتناول أهم القضايا والإشكاليات التي أثيرت خلال الفترة الرئاسية...تقل الإصدارات إذا ما تم ترشح الرئيس لفترة رئاسة ثانية ثم يعاود إيقاع النشر في التزايد مرة أخرى بنهايتها...وإذا ما طبقنا ما سبق على الرئيس "باراك أوباما" كمثال ــ باعتباره الرئيس السابق على "ترامب" ــ سوف نجد أن مجمل ما صدر عنه يقارب ال 300 إصدار على مدى عشرة أعوام. بدأت بعدد قليل من الكتب بقلم "أوباما"...ثم توالت الكتب بنفس التتابع الذي أشرنا إليه...إضافة إلى 14 كتابا عن زوجته "ميشيل أوباما"...
أما في حالة "ترامب" فسوف نجد أن انتخابه قد استنفرت النخبة الأمريكية من: مفكرين، وكتابا، ومثقفين، وصحفيين، وأكاديميين، وسياسيين، وفنانين،...،إلخ، بشكل ملحوظ كان من نتاجه في الفترة من 2017 إلى 2020 أكثر من 150 كتابا موزعة كما يلي: أولا: 10 كتب في 2017. ثانيا: 20 كتابا في 2018. ثالثا: 28 كتابا في 2018. رابعا: 94 كتابا في 2020 أكثر من نصفها صدر في الشهور الثلاثة التي سبقت السباق الرئاسي الذي جرى في نوفمبر الماضي. (نشير إلى أن هذا الحصر هو جهد قمنا به وربما تكون هناك إصدارات أخرى فاتتنا لكن ستكون قليلة جدا ولن تخل بالفكرة التي نحاول ان نطرحها) ...تعكس القراءة السريعة للأرقام اهتماما "بترامب" يفوق "أوباما"...إلا أن القراءة المتأنية لعناوين الكتب والموضوعات التي تناولتها تشير إلى مسألة غاية في الأهمية تميز بين الرجلين/الإدارتين...فماهي؟
معظم الكتب التي تناولت الرئيس أوباما وفترتيه الرئاسيتين تعاطت مع إشكاليات وقضايا تتعلق بما يلي: أولا: عقيدة السياسة الخارجية التي تم اتباعها خلال الفترة من 2008 و2016 وتحولاتها عبر القارات وما واجهها من تحديات كوكبية. ثانيا: أزمة النظام الاقتصادي العالمي وطبيعته وكيفية معالجته وتطوير مؤسساته واتمام مصالحات تاريخية. ثالثا: مواجهة الأزمة الاقتصادية العالمية الأسوأ ودراسة ملابساتها ومحاولة التأسيس لواقع اقتصادي جديد فيما بات يُعرف في أدبيات هذه الفترة "بالصفقة الجديدة الجديدة" ــ وكيفية تمويلها ــ أسوة بما جرى في ثلاثينيات القرن الماضي وقت أزمة الكساد الكبير. أخذا في الاعتبار المستجدات التي طرأت على المنظومة العالمية. رابعا: العمل على وضع إصلاحات حقيقية لنظامي التعليم والصحة خاصة للطبقات والشرائح الوسطى والدنيا. فيما عُرف "بالدواء المر" الذي تأخر تعاطيه لعقود. خامسا: دراسة وجوه القوة "الأوبامية" مقارنة بعناصر القوة لدى الرؤساء الأمريكيين الكبار. سادسا: تحليل مضمون الخطاب الديمقراطي ومدى تطوره من كينيدي إلى أوباما. سابعا: فتح نقاش جاد حول كيفية رأب الصدع العرقي والطبقي في الولايات المتحدة الأمريكية. ثامنا: تقييم العملية الديمقراطية ودور المجتمع المدني وأداء المؤسسات الرسمية والعلاقة بينها في فترة رئاستي "أوباما". ثامنا: إعادة الاعتبار للاهتمام الفكري والأكاديمي بالطبقة الوسطى الأمريكية. تاسعا: دراسة كيفية عمل إدارة أوباما من خلال العمل الجماعي ــ بحسب ما تكرر في أكثر من كتاب...بالطبع لا تسمح المساحة في عرض عناوين الكتب إلا أنها كتب جديرة بالقراءة والبحث. هذا لا يعني أنه لم توجد كتب تنقد رئاسة "أوباما" إلا أنها كانت تلتزم بالموضوعية والتعاطي مع الإشكالية لا الشخص ونشير هنا إلى الصحفي الأشهر "بوب وودوارد" في كيف تناول "أوباما" في كتابه: "حروب أوباما" مقارنة بتناوله "لترامب" في كتابيه: "خوف ــ 2018" و"غضب ــ 2020".
على النقيض تماما، وهو ما لفت نظر ــ ليس فقط كاتب هذه السطور ــ وإنما عدد كبير ممن يقومون بمراجعة إصدارات العام بأن الإصدارات التي تناولت "ترامب" قد ركزت على ما يلي: أولا: شخصية الرجل ذهنيا ونفسيا وسلوكيا. ثانيا: مدى ما أحدثه الرجل من ارتباك في عمل المؤسسات الأمريكية العتيدة والتداعيات التي ترتبت على ذلك. ثالثا: حدة الخصومة بين "الرجل" والإعلام. رابعا: الجانب الخفي في حياة الرجل المهنية والرئاسية وما تضمنته من أسرار فجة. خامسا: تخصيص دراسات خاصة لسجالات "التويتر" التي أعطاها الرجل اهتماما بالغا. سادسا: رصد ما أطلق عليه ــ مؤخرا ــ محاولات التفكيك المؤسسي. سادسا: التشوش الذي لحق بعقيدة السياسة الخارجية لإدارته وتداعيات ذلك على أمريكا على الأمدية: القصيرة والمتوسطة والطويلة...وظني أن الإصدارات لن تتوقف...فأثناء كتابة المقال صدر مجلد يتجاوز ال400 صفحة يضم 15 دراسة تنتقد سياسات "الزمن الترامبي" نعرض في مقال الأسبوع القادم أهمها...


طباعة   البريد الإلكتروني
0
0
0
s2smodern