’’الترامبوكاليبس‘‘؛ أحد أهم المفردات التي انتشرت في السنتين الأخيرتين لوصف فترة رئاسة ترامب أو "الزمن الترامبي"...وهو مصطلح يقرن بين ترامب وفترة رئاسته (زمنه) وكلمة "أبوكاليبس" اليونانية التي تعني حرفيا "رفع الغطاء" أو كشف المحجوب والمستور خاصة فيما يتعلق بمستقبل العالم أو ما سيؤول إليه العالم بما يضم من بشر...ومع مرور الوقت أصبح المعنى المتداول لكلمة "أبوكاليبس" يدل على نهاية العالم...
وفي هذا المقام، يتم توظيف المفردة اليونانية للتدليل على أن "الزمن الترامبي" بما حمل من إخفاقات قد بات يؤذن ــ تجاوزا ــ بنهاية العالم؛ وإن شئنا الدقة يشير إلى نهاية مرحلة شاذة من تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية والعالم على السواء...ويقول الكاتب السياسي الأبرز في دورية "أتلانتيك" وصاحب عدة كتب معتبرة في الشأن الأمريكي "دافيد فروم" صاحب ثنائية: أولا:"ترامبو كراسي (سلطة ترامب): فساد الجمهورية الأمريكية ــ 2018"؛ وثانيا:"ترامبوكاليبس ــ 2020"؛ ما مفاده أن ترامب قد وصل إلى رئاسة أمريكا في ظرف تاريخي استثنائي. فأغلبية من أوصلوه إلى هذا الموقع هم من يعانون معيشيا ووجدوا في خطابه العنفواني القومي والمضاد للعولمة أملا ربما ينقذهم من أوضاعهم غير المريحة. بالرغم من أنهم يدركون أنه واقعيا لا يعبر عنهم اجتماعيا. إلا أن الممارسة الترامبية لم تكن على مستوى الآمال التي عُلقت عليها. حيث توالت الإخفاقات في كل المجالات. ما يعني انصراف هؤلاء الذين دعموه. ومن ثم سوف يترك وحيدا. وليت الأمر سوف يقف عند هذا الحد، يؤكد "فروم" بأن "القرارات السياسية والتوجهات الاقتصادية التي تم اتباعها قد عمقت تمزق الجسم الأمريكي الراهن: طبقيا، عرقيا، مناطقيا، وثقافيا، وهوياتيا،...،"...وهو الأمر الذي ينذر بنهاية "الزمن الترامبي": الكارثي؛ نظرا لما أحدثه من أعطال وأعطاب...
فلقد أدرك الجميع كيف أن الأداء الترامبي الرئاسي كان واهنا فيما يتعلق بالآتي: أولا: السياسات الخاصة بالنفط والغاز والخروج على القواعد المتعارف عليها في هذا المجال. ثانيا: السياسات الصحية وتبين عدم قدرتها مواكبة الجائحة. ما كشف عجز المنظومة الصحية الأمريكية عن الوفاء بالتزاماتها. خاصة وأن هذا الانكشاف الصحي قد تزامن مع محاولة ترامب إفساد نظام الرعاية الصحية الذي أقره الكونجرس زمن أوباما. ما أدى إلى فقدان الملايين للتغطية الصحية في وقت الأزمة. ثالثا: اهمال ادراج اية سياسات تتعلق بالبنية التحتية المتراجعة في كثير من المناطق ــ خاصة الفقيرة ــ والتي تحتاج إلى ما يقرب من 5 تريليون دولار تقريبا لمدة خمس سنوات. رابعا: فشله في حماية الاقتصاد الأمريكي والعمالة الأمريكية كما ينبغي...
وقد أثارت هذه الإخفاقات الفادحة نقاشا ممتدا لفهم "الترامبية"، في محاولة للإجابة عن سؤال: ماهية الترامبية؛ حيث اجتهد كثير من الباحثين والمحللين في محاولة فهمها. ومن ضمن هؤلاء الكاتب الصحفي "سيلفان سيبيل"، أحد الباحثين المعتبرين في الشأن الأمريكي، الذي يقول: "هل يمكن تعريف الترامبية؟ أتراها تدخل في فئة لها تعريف أو تحديد؟ الشعبوية؟ الفاشية؟ الأناقراطية(سلطة الأنا)؟ أيديولوجية سياسية يمينية مُغالية، مما تختص به أمريكيا؟ لعل الأمر يحتاج إلى مرور الزمن بعد تواري الرجل عن المسرح لكي يمكن أن يصير مروره عليه موضوعا لتصنيف مقبول. أما الآن، فإننا لا نستطيع أن نفعل أكثر من استخلاص بعض المحاور الكبرى لنمط عمله وتحركه". وفي هذا السياق خلص الكثيرون على أن "الزمن الترامبي"(سلطة ترامب أو ترامبوكراسي) كان "كارثيا" وأوصل أمريكا إلى ما يشبه "نهاية العالم"...وتحديدا نهاية فترة زمنية حفلت بالأضرار والأتلاف، أو نهاية زمن ترامب (ترامبوكاليبس)...وذلك بسبب أن السلطة الترامبية قد أخذت بما يلي: أولا: الحكم من خلال نشر الفوضى. وهو ما تجلى من خلال خلافاته مع مؤسسات الدولة واداراتها المختلفة وخلافه مع عدد غير قليل من حكام الولايات. وتكرس كليا بتكراره لعبارة "المهم هو أنا...وأنا الوحيد الذي يهم". وثانيا: اتباع القوة على حساب الحق والقانون في كثير من المواقف مثل: موقفه من كوريا الشمالية، الحق الفلسطيني، وثالثا: المبالغة في "الاستثنائية" الأمريكية وتعاليه على كثير من دول المجتمع الدولي والمؤسسات الدولية. ورابعا: التحلل من أية التزامات أمريكية حيال المجتمع الدولي. والأهم التخلي عن الحلفاء التاريخيين. ويشار هنا إلى انكاره للمواثيق الدولية من جهة. وإلى تخليه عن أوروبا من جهة أخرى. وخامسا: ممارسة الابتزاز في الداخل والخارج للفوز بمكاسب آنية قصيرة الأمد. وسادسا: الوقوع في اتخاذ الكثير من القرارات المتضاربة. ما أدى إلى العديد من السقطات السياسية الفادحة داخليا وخارجيا. ويمكن اعتبار التعاطي مع الشأن الكوري الشمالي نموذجا. وسابعا: انحيازه السافر لما أطلقنا عليه جماعات الاستعلاء/الكراهية البيضاء وتأجيج الكراهية في أكثر من مناسبة لم يتصرف فيها كرئيس لكل المواطنين الأمريكيين.
لذا صح الوصف الذي شاع عن ترامب في كثير من الأدبيات بأنه "شخصية تقطع ما اتصل...حيث يتملص من القواعد والمعايير المعتمدة، ويقاطع الأعراف المُقررة"...والنتيجة أن "فاتورة الحساب الرئاسية باتت ثقيلة جدا وتظهر محصلتها الختامية بالسالب"...ويقول "فروم"، الجمهوري الهوى تاريخيا، بأنه "سواء خسر أو فاز ترامب بالانتخابات. فإن هناك الكثير الذي يجب فعله لعلاج التلفيات الجسيمة التي سببها الخداع الترامبي"...لذا استحق "الزمن الترامبي" ــ عن جدارة ــ أن يكون، بالفعل، بالنسبة للأمريكيين ــ في المقام الأول ــ نهاية كارثية شأنها شأن الكوارث النووية والبيئية.
ولكن كل من تبنى فكرة "الترامبوكاليبسي" يعتقد بأن مع كل نهاية كارثية يمكن أن تكون هناك بداية جديدة سوف تتجدد من خلالها الولايات المتحدة الأمريكية على كل المستويات. فعالم ما بعد الفيروس الجائح، وامتداد النزعة المواطنية القاعدية الغاضبة حيال عصر الليبرالية الجديدة الجائر، يختلف كليا عن ما قبل...ما يستدعي تجاوز الزمن الترامبي...