سمير مرقص الأمم المتحدة والمواطنة (2)

(1) «المواطنة العربية المتصدعة»
تحت عنوان «حتى لا يختلف أحد عن الركب: نحو المواطنة الشاملة فى البلدان العربية»؛ (50 صفحة)؛ صدر تقرير التنمية الإنسانية العربية لعام 2019 عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائى.. وقد عرضنا فى مقالنا الأول لفلسفة التقرير التى تنطلق من أن «خطوط الصدع فى التنمية البشرية فى المنطقة العربية أصبحت أكثر تعقيدا منذ عام 2011...»..

ولكن، لم يكن يحدث هذا الصدع لولا أن هناك إشكاليات تمس كلا من: أولًا: تكوين الدولة العربية، ثانيًا: تعثر نموذجها التنموى، ثالثا: الأثر الضار للديناميات الإقليمية على حياة المواطن العربى.. ما أدى فى النهاية إلى وضعية «مواطنية متصدعة».. تتسم بأمرين هما: «اللامساواة الأفقية والرأسية داخل المجتمعات وعبر العلاقات بين الدولة والمجتمع».. أى بين المواطنين والسلطة (اللامساواة الرأسية) حيث يفصل بينهما حاجز السلطة - إذا ما استخدمنا الاجتهاد المبكر لأستاذنا وليم سليمان قلادة ـ ومن ثم لا يشارك المواطنون فى السلطة أو فى تقاسم المقدرات/ الثروة العامة للبلاد - بحسب الاجتهاد الذى قدمناه مبكرًا للمواطنة فى كتاباتنا- وبين المواطنين بعضهم البعض (اللامساواة الأفقية)، أى لأسباب متعددة (الطبقة، والدين، والعرق، والعمر، والجنس، واللون، والإعاقة، والجنسية، والميول الجنسية، ووضع الشعوب الأصلية والهجرة).. ما أطلق العنان لقوى الإقصاء فى إعاقة الأفراد عن ممارسة مواطنتهم بصورة صحيحة وتامة؛ فَصَحَّ وصف المواطنة بالتصدع.. وينتقل التقرير إلى تحديد المجالات الفاعلة لقوى الإقصاء.

(2) «المجالات الخمسة التى تنشط فيها قوى الإقصاء»

يحدد التقرير أن التخلف عن الركب سوف يطول سكان البلدان العربية بفعل قوى الإقصاء التى تنشط فى المجالات التالية: أولًا: التمييز الذى يتمثل فى التحيز وسوء المعاملة بسبب الهوية. ثانيًا: الوضع الاقتصادى والاجتماعى غير العادل وعدم إتاحة الفرص المتساوية بين الجميع فى الصحة والتغذية والتعليم والاستفادة من الحماية الاجتماعية والخدمات المالية. ثالثًا: الحوكمة غير الخاضعة للمساءلة، ما يخلق حالة من الحرمان بسبب المؤسسات والقوانين والسياسات والعمليات والميزانيات غير العادلة وغير الفعالة وغير المسؤولة وغير المتجاوبة. رابعًا: الجغرافيا المحرومة من أى خدمات عامة أو مرافق، كذلك صعوبة الوصول إليها واستحالة تواصلها مع خارجها أو محيطها. خامسًا: الصدمات والهشاشة، حيث تزداد الأعداد الأكثر عرضة أو قابلية للتأثر بالنكسات بسبب تغير المناخ والمخاطر الطبيعية والحالات الصحية الطارئة وحالات الانكماش الاقتصادى أو الأسعار.. ويتضاعف الإقصاء فى «حالات النزاع».

(3) «المواطنة الشاملة والتنمية المستدامة»

قدم لنا التقرير تحليلًا للسياق الإقصائى المانع للمواطنة، والذى يؤدى إلى تخلف الملايين من أبناء البلدان العربية عن الركب، وكيف يمكن لخطة التنمية المستدامة للعام 2030 بما تتضمن من فكرتى: الاستدامة وتنمية الجميع دون استثناء- يمكن أن «تنتقل إلى صلب عمليتى صنع السياسات والقرارات»... وفى هذا المقام، يلفت التقرير النظر إلى أنه بالرغم من أن «بذور العقد الاجتماعى قد زرعت، فلا تزال المسارات التى ستتخذها تبدو مجهولة»... لذا يؤكد التقرير ضرورة دعم فكرة «المواطنة الشاملة فى تنفيذ خطة التنمية المستدامة للعام 2030 فى البلدان العربية»، من خلال مراعاة ما يلى: أولًا: تكثيف الدراسات الميدانية التى تتيح تحليل مكونات القوى الإقصائية وطبيعة حركتها الصراعية حيال الكثيرين وحرمانهم من حقوقهم كمدخل لوضع التصورات والاستراتيجيات التنموية المستدامة التى من شأنها تحقيق المواطنة الشاملة للجميع دون استثناء. ثانيا: تأسيس قاعدة بيانات محدثة تعين فى قياس حقوق المواطنة، خاصة فى بعديها الاقتصادى والاجتماعى، وذلك لمعرفة وتبيان مدى وفاء الدول بالتزاماتها فى تحقيق الحقوق.

ويشار هنا إلى أن التقرير يوجه النظر إلى قلة الدراسات الكاشفة عن عمق العوامل التى تؤدى للإقصاء وإلى مواطنة متصدعة، ومن ثم إعاقة المواطنة الشاملة.

ثالثًا: استدراك أهداف التنمية المستدامة (الـ 17) لكيفية علاج المشاكل التنموية الأكثر حدة المرتبطة بازدهار المواطنة فى ظل علاقات متنازع عليها بين الدولة والمجتمع مقرونة بالهشاشة السياسية والاجتماعية والاقتصادية... ما يستوجب دعم مأسسة فكرة المساءلة.

رابعا: التأكيد على المسؤولية المشتركة بين المؤسسات الوطنية والدولية والمجتمع المدنى والقطاع الخاص والمواطنين لمواجهة الإقصاء واللامساواة وضمان التقدم نحو بلوغ أهداف التنمية المستدامة.


طباعة   البريد الإلكتروني
0
0
0
s2smodern