(1)
«عزة بدر.. وصف مصر والمصريين فى الألفية الثالثة»
الكتابة الأدبية الحقيقية هى التى تدفع القارئ إلى أن يشعر ويدرك عمق وحيوية وصدق وجدية الكلمات والسطور والصفحات التى تشكل مجمل النص، بما يتضمن من صور وشخصيات وأماكن وأحداث متنوعة ومختلفة.. وفى إطار هذه النصوص يقع نص الأديبة والكاتبة الصحفية الدكتورة «عزة بدر»: «أم الدنيا: صورة قلمية فى وصف القاهرة والناس» (الصادر فى سلسلة حكاية مصر عن قصور الثقافة- 2019)..
حيث يقدم الكتاب- بحسب وصف ناشر الكتاب- «صورًا قلمية للناس والأمكنة، تنبض سطورها بتفاصيل الحياة اليومية فى مصر» للمصريين.. إنه وصف جديد لمصر المعاصرة فى أكثر من تجلٍ مكانى.. وللمصريين فى شتى تحركاتهم ونشاطاتهم.. وتقدم الكاتبة وصفها فى 44 صورة/ نصا قصيرا، بمثابة- بحسب المقدمة مرة أخرى- «مشاهد مرسومة برهافة تصف مناشط الحركة والحيوية فى الأسواق، والشوارع، والأزقة»...ولا يتجلى إبداع الكاتبة فى رسمها التفصيلى الدقيق لما تراه من حيوية يومية للمصريين فى أكثر من مكان فقط، إنما فى أن ما التقطته من صور قد جاء مفعما بالحياة، يستشعره ويتفاعل معه القارئ.. وبالأخير، شكلت هذه الصور فى مجملها وصفا شاملا لمصر الحقيقية.. «مصر اللى بجد» فى: كدها ولهوها، وحنوها وقسوتها، نهارها وليلها، فرحها وغضبها، أماكنها المغلقة على البعض ومساحاتها المتاحة للجميع... إلخ.
(2)
«أم الدنيا وأدق تفاصيل حياتها/ حياتنا اليومية»
إن «متعة نص»- إذا ما استعرنا مقولة رولان بارت الذائعة- «أم الدنيا» تكمن فى أنه يجعل القارئ «يتذوق الأسرار» الكامنة فى حياتنا اليومية.. ويدفعه إلى إعادة اكتشاف المألوف والمعتاد.. فى هذا السياق، تستهل الكاتبة رحلتها إلى «أم الدنيا» مع «أصوات فى الفجرية»، حيث ترصد بإبداع تلك الأصوات التى تتابع مبكرا فى أذنى المواطن المصرى من كائنات حية أو باعة جائلين لا يخلفون مواعيدهم اليومية قط.. كما ترصد انطلاقات العمل المختلفة فى المحال والمواقف والأسواق من خلال: «حارة الخضراوى»، و«فول بالزيت الحار»، و«وسع يا عسل 32 وصل».. كما تجول بنا فى «كورنيش نيل الغلابة» بمراكبيته وباعته، وفى مساحات «الورود والخضرة والوجه الحسن»، وتأخذنا إلى «مقهى الفيشاوى»، و«فوق برج القاهرة»، كما تفى بوعدها فى الذهاب للتبرك «بالطاهرة أم هاشم» فى ليلتها الكبيرة وما يواكبها من تقاليد شعبية، ومن خلال «بلكونة خالتها» تعرض لنا أفراح القاهرة الشعبية ذات الليل الممتد، ويوم دخل «التليفون المنزل فى أحد أحياء شبرا»، وتنتقل بنا من دمياط إلى الإسكندرية، وتعود بنا للقاهرة لزيارة «أشهر سوق رمضانى»، و«تحت الربع»، و«حمام التلات»، ومشاهدة «ليلة رأس السنة فى وكالة البلح»، وتناول «أكل الكوارع»، و«سور الأزبكية» وعبر «وسط البلد» وما بقى منها من «الزمن الجميل» تتجه إلى مصر أخرى، حيث تدخل «نادى الجزيرة» خلسة، وتزور «مدافن الكلاب»، ثم نتعرف على خوضها تجربة تناول الفطور فى «فندق خمس نجوم»، كذلك «الديسكو»... إلخ.. وهكذا، وعلى مدى 300 صفحة تبدع «عزة بدر» برشاقة ودقة من أجل أن تأخذنا لنتعرف على «أم الدنيا» أكثر وأكثر.. ومع كل صورة من صور «أم الدنيا» ندرك أننا لا نعرفها حق المعرفة.
(3)
«أم الدنيا: نص حى/ حقيقى»
نص «عزة بدر» هو نص يحفز على إعادة اكتشاف «أم الدنيا» الحقيقية دون أى عمليات تجميل لجعلها مثالية.. وبعيدا عن نصوص الكآبة والقتامة ـ الشائعة ــ أو ما بات يُعرف بـ«الديستوبيا».. إنه نص عن «أم الدنيا»، اليوم، بتفصيلاتها الحية، وما طرأ عليها من تحولات.. إنها رحلة شيقة تتجاوز السرد التقليدى وتفتح أفقًا لفهم «أم الدنيا» بتناقضاتها، وتنوعها، وحضارتها المركبة... كذلك هو نص «عنّا» نحن المصريين وعن سلوكنا وممارساتنا اليومية من جهة.. وعن أحلامنا البسيطة وتطلعاتنا القريبة من جهة أخرى.. تحية إلى الدكتورة «عزة بدر» (المتعددة الإبداع الأدبى).. وإلى ناشرى سلسلة «حكاية مصر».
.. ونواصل مع سلسال الإبداع