(1) «تراجيديا الألفية الثالثة»
حول هذه الأفكار تتبلور رؤية المثقف والخبير الوطنى الكبير الأستاذ الدكتور محمد رؤوف حامد. وقد فصلها فى كراسة مكثفة العبارات، رشيقة البناء، واضحة اللغة، تحت عنوان: «مستقبل جديد للثورات: ثورة المفكرين» (صدرت فى سلسلة كراسات مستقبلية عن المكتبة الأكاديمية فى ما يقرب من 80 صفحة من القطع الفولسكاب ــ 2019). وفيها يواصل ما دأب على عمله دوما فى متابعة جديد تحولات العالم وما سيترتب عليها من نتائج ومسارات.
فمن خلال ثلاثة فصول يشير إلى ما يلى: أولا: ثورة المفكرين. وثانيا: التغيرات التى طرأت على الواقع الحياتى الخاص بالشأن العام: محليا وعالميا. ثالثا: الجماعية الفكرية.. ففى البدء يشير د. حامد إلى المتغيرات التى تجسمت مع مسيرة العقد الأول من القرن الـ21 من خلال «ثورات ميكرو وسوبر» غيرت تحت تأثير التكنولوجيات المتقدمة طريقة الحياة كليا. كما أخلت العلاقات الدولية تحت تأثير قوانين العولمة الاقتصادية بالتكافؤ بين البشر.
ما أدى إلى لا مساواة متعاظمة مست صميم الأمن الإنسانى.. وكانت النتيجة أن واجهت الإنسانية أزمة حادة عالمية مركبة، تتشابك وتتقاطع فيها أشكال مختلفة من التوترات المالية والعسكرية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية والبيئية.. وقد وصفها د. حامد بالتراجيديا العولمية لما أوصلتنا إليه من انحرافات فى الوسائل والمعايير فيما يتعلق بالتنمية والتقدم.. الأمر الذى استوجب وقفة كوكبية من المتضررين الذين يمثلون 80% من سكان العالم ضد الأنواع المتباينة من ممارسات الظلم والخلل الدوليين.
(2) «الحركيات الجديدة»
تمثل الحركيات الشعبية الجديدة التى اجتاحت العالم، شرقه وغربه، خيارا تغييريا فاعلا جديدا يتجاوز الجغرافيا والخصوصية والأيديولوجيا. فلقد «صارت جماعية جماهير المواطن العادى هى البديل الوحيد للتغيير»...«ولقد ساهمت تطورات تكنولوجيا الاتصال والمعلوماتية، أو وسائط التواصل الاجتماعى (التى تُعد أحد ملامح الثورات الميكرو)، فى جعلها (أى الجماعية) تبزغ بسهولة نسبية، وتصير أمرا واقعا».. ويشير د. حامد إلى أنه من المنظور المعرفى، تأتى «جماعية جماهير المواطن العادى؛ كتعبير بالغ الدلالة عن تغير فى الوعى الجمعى «Collective Consciousness»؛ للشعوب، ووصول هذا الوعى إلى قمة عالية، خاصة تجاه شيوع الفساد، وغياب العدل، وممارسات الاحتقار».. وهو الوعى الذى تشكل، ذاتيا، عبر الخبرة العملية. حيث خلص هؤلاء المواطنون إلى رفض الخلط بين الدين والسياسة.
ومن ثم ضرورة الارتقاء الذاتى خارج كيانات أخلت بالعقد الاجتماعى الذى قام على الرفاهة والتنمية منذ الحرب العالمية الثانية لصالح سياسات الليبرالية الجديدة السوقية التى استباحت كل شىء: الطبيعة، والبيئة، والإنسان.. ويحذر د. حامد من محاولة أنصار هذه السياسات ــ فى محاولة منها للبقاء بالرغم من الكوارث التى صنعتها ــ التشبث بالبقاء من خلال إعادة تصدير العنف من خلال الحروب والعمليات الإرهابية. وتكريس الفردية الشديدة قسرا من خلال ما أطلق عليه الدكتور حامد الأنانية المتطرفة التى يعدها القيمة الفكرية الأساسية الحاكمة لأنصار سياسات تنامى فجوة اللامساواة بين البشر أو «القوى العولمية».. إلا أن زمن هيمنة «قوة الفكر» الذى يكرس اللامساواة سوف يقابلها «فكر القوة» الرافضة للغبن والجور والألم. وتنبع قوتها من جماعية تغييرية إنسانية عابرة للحدود.
(3) «ثورة المفكرين الجماعية»
«الجماعية هى أداة ذهبية للتقدم»؛ بحسب ما يخلص الدكتور محمد رؤوف حامد. وهى الأساس لبزوغ ثورة المفكرين. ذلك لأن ما تداعى ويتداعى من جراء أزمات القوى العولمية التى تهدد مستقبل العالم، يحتاج إلى «سلوك وطريقة فى التفاعل والتعاون والتكامل» الفكرى بين المفكرين من جهة. و«كسياق تطبيقى» يمارسه المواطنون فى الواقع من جهة أخرى.. والجماعية المطروحة لا تجور على التنوع لأنها لا تعمل لحساب القلة وإنما تعُلى من قيمة الصالح/ الخير العام، وتؤكد على التكافؤ والمساواة بين المواطنين.
أى تأمين قدر متساو من الحرية لكل مواطن. كذلك «فرصة متساوية لتنميته».. ما يضمن تضامنا والتزاما إنسانيا من أجل تقدم العالم.. بهذه الأفكار المواكبة للتحولات الجذرية التى تلحق بالعالم يواصل د. محمد رؤوف حامد مساهماته الفكرية المتميزة والتى كان يربطها دوما بالواقع العملى فى مجال السياسات والصناعات الدوائية.. محبة وتحية لحلقة من حلقات «سلسال الإبداع» المصرى.