(1)
«كتاب منسى»؛
فى أثناء جولة من جولاتى السياحية اليومية الممتدة فى الفضاء الإنترنتى، عثرت على كتاب للراحل العالم الكبير جمال حمدان (1928ــ1993) يحمل غلافه العنوان التالى:
«الجماهيرية العربية الليبية: دراسة فى الجغرافيا السياسية». ويشير الغلاف، إضافة للعنوان، إلى أن الكتاب صادر عن إحدى أهم المكتبات التى عرفتها حياتنا الثقافية المعاصرة ألا وهى مكتبة «مدبولى» وذلك عام 1996. وواضح أن هذه الطبعة قد صدرت بعد رحيل «حمدان» بثلاث سنوات. وبمراجعة مؤلفاته التى تبلغ 20 مؤلفا باللغة العربية ــ وتتضمن موسوعته العمدة «شخصية مصر» (4 مجلدات) ــ وثمانية مؤلفات باللغة الإنجليزية. وجدت أن كتاب «ليبيا» يعود إلى عام 1973. ويبدو لى أن هذا الكتاب لم يحظ بالاهتمام الكافى لا من حيث الاهتمام بإعادة طبعه ضمن المناسبات المختلفة التى تم فيها إعادة طبع كتب «جمال حمدان». أو الاسترشاد به فى فهم المسألة الليبية كلما دعت الحاجة إلى ذلك... وربما يكون من المفيد لرفع الوعى بثقافة الأمن القومى المصرى وخطورة القفز التركى السافر على ليبيا من جهة. ومن جهة أخرى أن «جمال حمدان» هو شخصية معرض الكتاب فى دورته الـ51، أن نلقى الضوء على هذا الكتاب الاستراتيجى البالغ الأهمية.
(2)
«الجغرافيا السياسية»؛
فبالرغم من قدم الكتاب، إلا أنه يجسد ما تميز به «حمدان»؛ من قدرة أطلقت عليها مرة: «التأصيلية المستقبلية»... فمن خلال مقدمة مركزة وبابين (300 صفحة)، تناول «حمدان» «المسألة الليبية» فى ضوء «علم الجغرافيا السياسية»؛ حيث تتبع «التطور الجيوبوليتيكى ــ الجغرافى السياسى لليبيا» فى الباب الأول. وقام بجهد مبدع بما أطلق عليه «تحليل القوة» الليبية؛ فى الباب الثانى.. بداية يشرح حمدان أهمية الجغرافيا السياسية باعتبارها: «ذلك الفرع من العلم الذى يحلل الجوهر الكامن والدفين فى كيان الدولة، ويمارس التشريح الموضوعى للجسم السياسى، من الجلد إلى العظم وحتى النخاع،.. فهو لا يكتفى بالتسجيل التاريخى المجرد، أو أسماء أو أفعال الأشخاص، وإن اعتمد دائما على أقدم دراسات التاريخ وقوانينه».. كما «يضع الدولة فى إطارها الطبيعى الباقى، ويردها إلى أصولها الجغرافية الدائمة الوثيقة، يحقق أساسها الطبيعى، ويرصد الثوابت والمتغيرات على أطول مدى ممكن فى توجيهها وعلاقاتها، ثم يحد نقط القوة والضعف الكامنة أو الظاهرة فى وجودها السياسى ومواطن الخطر أو الخطأ فى هيكلها الجيوبوليتيكى». إنها باختصار العلم الذى يضع الدولة ككائن حى فى ميزان حساس، وتحت مجهر موضوعى متجرد، ليقيس وزنها السياسى وموقعها فى عالم السياسة ووقعها عليه محليا وإقليميا ودوليا.. فى هذا السياق، يدرس حمدان تفاصيل «المسألة الليبية» من حيث الآتى: أولا: التاريخ القديم والوسيط الجغرافى ـ السياسى لليبيا، وثانيا: ما أسماه »«حمدان» دراسة جغرافية الاستعمار الإيطالى الليبى ومن ثم جغرافية التحرير، وثالثا: دراسة أداءات ليبيا المستقلة تجاه جغرافيتها السياسية. وفى دراسته لهذه العناوين لا يتوقف «حمدان» عند الأحداث والوقائع فى ذاتها وإنما «كدراما فى الزمان»، بحسب تعبيره، وإنما لفهم الاستراتيجيات التى تم اتباعها انطلاقا من موقع ليبيا فى علاقتها بجوارها.. وبالأخير مكامن قوتها التى اكتسبتها عبر التاريخ.. ودور الثروة الطبيعية والاقتصاد فى بلورة أهمية ليبيا الراهنة.
(3)
«مصر وليبيا والمواجهة المشتركة للمستعمرين»؛
ويبين «حمدان»، تفصيلا، العلاقة الوثيقة التى ربطت مصر بليبيا منذ بداية تاريخ الأسرات الفرعونية والتى وصفها بعلاقة «الرمل والطين»، ويقصد بها الصحراء والوادى. وهى العلاقة التى تراوحت بين التجارة والمناوشات التى لم ترق يوما لتكون استعمارا. ويجلى كيف أن الحملات الاستعمارية من 1000 قبل الميلاد: الفينيقية، والإغريقية، والرومانية، والأوروبية، قد وحدت بين مصر وليبيا من حيث المصالح بدرجة أو أخرى. وبالرغم من ثنائية تقسيم برقة وطرابلس بين سلطة الموحدين فى الغرب وسلطة الفاطميين من الشرق. إلا إن موقعى مصر وليبيا ظلا دوما أقرب لبعضهما البعض فى مواجهة الوافدين.. إلى أن تأسست الدولة العثمانية... نواصل.